في حضرة الحرف وبهاء الكلمة، نلتقي اليوم بشابة مغربية استطاعت أن تخطّ اسمها بثقة على خارطة الإبداع العربي المعاصر. من قلب الدار البيضاء، وبروحٍ تنبض بالشغف للغة الضاد، تَشرُف مجلتنا باستضافة الأستاذة المتدربة والكاتبة الواعدة *نهيلة العربي* ، ابنة الثالثة والعشرين ربيعًا، التي جمعت بين مسارين متكاملين: العلم والإبداع.
طالبة في سلك الماستر تخصص البلاغة، وفاعلة في النسيج الثقافي المغربي عبر انخراطها في عدد من الجمعيات الأدبية، نهلت من معين الفكر، وسكبت من روحها نصوصًا وقصصًا وجدت صداها في مجلات عربية مرموقة كـ الثقافة والفكر، الواحة، برشلونة الأدبية، وبيان اليوم، فضلًا عن مشاركتها المميزة في الكتاب الجماعي بردة السرد.
ولأن الكلمة الصادقة لا تخطئ درب التتويج، نالت لقب “أحسن شاعرة” بمدينة الجديدة، تأكيدًا على تفرد صوتها الأدبي وصدق موهبتها.
في هذا اللقاء، نفتح معها نوافذ البوح، ونتتبع خطاها بين البلاغة والسرد، بين القصة والشعر، لنكشف ملامح كاتبة تمضي بثبات نحو مستقبلٍ أدبي واعد.
حاورتها جميلة بندر
……………………………
1️⃣ من هي نهيلة العربي الإنسانة قبل أن تكون الكاتبة، الطالبة، والأستاذة المتدربة؟
– نهيلة العربي هي ابنة الحرف والحنين، إنسانة تؤمن بأن الكلمة الطيبة قادرة على ترميم الأرواح، وأن الصمت أحيانا أبلغ من الكلام. قبل أن أكون كاتبة أو طالبة، كنت طفلة تندهش من تفاصيل الحياة، أراقب العالم بعينٍ تتوق إلى الفهم، وأصغي إلى القصص التي تحكيها الجدران، والوجوه، وحتى الريح. أؤمن أن الإنسان الحقيقي هو ذلك الذي يحتفظ بداخله بطفل لا يكبر، وبقلب لا يتوقف عن الحلم.
2️⃣ لماذا اخترتِ تخصص البلاغة؟ وما علاقته بالسرد والشعر؟
– اخترت البلاغة لأنها ليست مجرد علم، بل هي فن يعلمنا كيف نلبس المعنى ثوب الجمال، وكيف نحاور القلوب قبل العقول. البلاغة هي الجسر الذي يربط بين الفكر والإحساس، بين الفكرة المجردة والنبض الحيّ. أما علاقتها بالسرد والشعر، فهي علاقة الروح بالجسد؛ فالشعر يحتاج إلى بلاغة ليحلق، والسرد يحتاج إليها ليقنع ويؤثر. البلاغة منحتني أدوات التعبير، لكنها أيضا علمتني كيف أصمت حين يكون الصمت أبلغ.
3️⃣ كيف بدأت الكتابة؟ وما أول نص كتبته؟
– بدأت الكتابة في سن مبكرة، حين كنت أدون خواطري في دفاتر صغيرة، أحتفظ بها ككنز خاص. أول نص كتبته كان قصة قصيرة بعنوان “ظل الوردة”، كتبتها وأنا في الخامسة عشرة من عمري، وكانت تحكي عن فتاة تبحث عن ذاتها في عالم لا يشبهها. ذلك النص اليوم هو مرآتي الأولى، أعود إليه لأتذكر من أين بدأت.
4️⃣ كيف كانت تجربتك مع النشر في المجلات الأدبية؟
– النشر في مجلات المرموقة مثل : مجلة الثقافة والفكر ومجلة الواحة،و مجلة برشلونة الأدبية، ومجلة بيان اليوم…كان بمثابة اعتراف ضمني بأن صوتي الأدبي يستحق أن يسمع. هذه التجربة منحتني الثقة، وعرفتني على قراء ونقاد من مختلف الأقطار، مما ساعدني على تطوير أدواتي، ومراجعة نصوصي بوعي أكبر. النشر ليس فقط مشاركة، بل هو مسؤولية تجاه القارئ وتجاه الذات.
5️⃣ كيف تنظرين إلى تجربة الكتابة المشتركة؟
– الكتابة المشتركة، كما في _بردة السرد_ ، هي احتفاء بالتعدد، وتأكيد على أن الإبداع لا يعيش في عزلة. أؤمن أن التعاون الأدبي يثري المشهد الثقافي، ويخلق جسورا بين الكتاب ، ويمنح النصوص أبعادا جديدة. حين نكتب معا، نحن لا نتقاسم الورق فقط، بل نتقاسم الحلم، والرؤية، والنبض.
6️⃣ ماذا أضاف لك لقب “أحسن شاعرة”؟ وهل الشعر هو مركز تجربتك؟
– التتويج بلقب “أحسن شاعرة” بمدينة الجديدة كان لحظة امتنان، وشهادة حب من المدينة التي احتضنت كلماتي. أضاف لي الكثير على المستوى المعنوي، لكنه لم يكن غاية، بل محطة. الشعر هو نبض تجربتي، لكنه لا يحتكرها؛ فالقصة تسكنني أيضا، وتنافسه في التعبير عن ذاتي. أكتب الشعر حين أحتاج إلى الطيران، وأكتب القصة حين أحتاج إلى الغوص.
7️⃣ ما دور الجمعيات الثقافية في تنمية الحس الأدبي؟
– الجمعيات الثقافية هي الحاضنة الأولى للمواهب، وهي المنصات التي تمنح الشباب فرصة للظهور، والتعلّم، والتفاعل. وجدت فيها بيئة محفزة، وأصدقاء يشبهونني في الشغف، وأساتذة يؤمنون بالطاقات الصاعدة. هذه الجمعيات لا تصنع الكتاب، لكنها تزرع فيهم بذور الإيمان بأنهم قادرون على أن يكونوا كذلك.
8️⃣ هل التعليم يعيق الإبداع أم يغذيه؟
– التعليم، حين يمارس بشغف، يغذي الإبداع. كأستاذة متدربة، أجد أن التفاعل مع الطلبة، والبحث المستمر، والتفكير النقدي، كلها عناصر تعزز من قدرتي على الكتابة. صحيح أن ضغط العمل قد يسرق الوقت، لكنه لا يسرق الروح. الإبداع لا يحتاج إلى وقت طويل، بل إلى لحظة صدق.
9️⃣ ما مشروعك الأدبي القادم؟
– أطمح إلى إصدار مجموعة قصصية تحمل عنوانا مؤقتا : _حين تنام المدينة_. كما أعمل على ديوان شعري يوثق لحظات التحول في حياتي. المشروع الأدبي بالنسبة لي ليس فقط إصدار كتاب، بل هو بناء عالم خاص، أستطيع أن أعيش فيه، وأدع الآخرين لزيارته.
🔟 ما رسالتك للجيل الجديد من الكتاب؟
– رسالتي لهم: لا تكتبوا لتعجبوا، بل اكتبوا لتكونوا. لا تركضوا خلف الشهرة، بل خلف الصدق. الكتابة ليست مهنة، بل حياة. نصيحتي: اقرأوا كثيرا، واكتبوا أكثر، واصغوا لما لا يقال. في زمن السرعة، الكتابة هي فعل مقاومة.
1️⃣1️⃣ ما رأيك في ملتقى الشعراء العرب؟
– الملتقيات الشعرية هي نبض الحياة الثقافية، وملتقى الشعراء العرب الذي يرأسه الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد هو نموذج راق لهذا الحراك. أقدر جهوده في جمع الأصوات الشعرية من مختلف الأقطار، وأرى فيه منصة حقيقية لتبادل الرؤى، وتكريس حضور الشعر في زمن يحتاج إلى الجمال أكثر من أي وقت مضى.
حاورتها جميلة بندر
عضو بملتقى الشعراء العرب
محررة بمجلة أزهار الحرف