ها نحن نولد في عالمٍ لا يسألنا إن كنا نرغب بالمجيء، ونموت في عالمٍ لا يمنحنا فرصة للفهم بين الميلاد والموت نركض، نركض بلا بوصلة، نلهث وراء معنى هشّ، كأننا أسرى في متاهةٍ بلا باب خروج كل ما نؤمن به ليس سوى أوهامٍ ورثناها عن أسلافٍ عاشوا مثلنا، خائفين من الفراغ، فخلقوا له أسماء كي لا يبتلعهم الرعب.
ما هو الوجود سوى صدفةٍ كيميائية في فوضى كونية؟ وما نحن إلا كتل من لحمٍ تحمل أحلامًا أكبر من حجمها، تعيش على كوكبٍ يسبح في الظلام الأبدي، تظن نفسها مركز الكون وهي بالكاد غبار نحن نرسم القوانين، نكتب الأخلاق، ثم نكسرها لنثبت أننا أحرار، بينما نحن في الحقيقة عبيد؛ عبيد للزمن الذي يلتهمنا، عبيد للغريزة التي تسيّرنا، عبيد لفكرة البقاء التي لن تتحقق.
أيّ خلودٍ نبحث عنه ونحن نذبل كل يوم؟ أيّ عدالة نرجوها في عالمٍ تساوي فيه الطبيعة بين الجريمة والبراءة؟ القاتل والضحية يعودان إلى ذات التراب، ولا يُحاكم أحد نحن نغني للحب وهو في أصله كيمياء، نكتب عن الروح وهي لم تُثبت يومًا، نعبد فكرة الله لأننا نخشى أن نكون بلا حامٍ في هذا العدم.
الحقيقة؟ لا أحد يملكها. نحن فقط نحيا على أساطيرٍ صغيرة؛ نلبسها ثوب اليقين كي لا ننهار وما الفلسفة سوى اعترافٌ بجهلنا، محاولة يائسة لإقناع أنفسنا أن العبث له منطق، أن هذا الفوضى التي تبتلعنا تملك سرًّا لم نفك شيفرته بعد.
الكون لا يعرفك، لا يهتم لدموعك أو صلواتك، لن يغيّر مساره لأجل حلمك ومع ذلك، نحن نصرّ على التمسك بالضوء، نبحث في الصمت عن موسيقى، نزرع الأمل في تربةٍ من الرماد لماذا؟ لأننا ضعفاء؟ أم لأننا مجانين بما يكفي لنخلق المعنى من اللاشيء؟
اعلم هذه الحقيقة القاسية: أنت لست إلا ومضة في عتمة أزلية، لا بداية لها ولا نهاية، لكنك تحمل في قلبك نارًا قادرة على إنارة ليلٍ كامل .
بقلم الكاتب : وحيد جلال الساحلي