حوار مجلة ازهار الحرف
من بيولوجيا الخلية….. إلى نبض الكلمة
رحلة باحث وأديب بين المختبر وفضاءات الإبداع..
في مسيرته الممتدة بين البحث العلمي والعمل التربوي والإبداع الأدبي، جمع د. سرمد فوزي هليل التايه بين دقة العالم وحنكة الإداري وخيال الكاتب. من قاعات الجامعات إلى قاعات المؤتمرات، ومن صفحات الأبحاث إلى دفاتر الروايات والقصص، خطَّ اسمه في ميادين متعددة، جامعًا بين خدمة مجتمعه المحلي وتوثيق ذاكرته.
من هنا كان لمجلة أزهار الحرف معه لنقترب أكثر من محطات حياته ونكتشف أسرار تجربتها المتنوعة..
1-من هو سرمد فوزي هليل التايه؟ هل لك ان تحدثنا عنه وتعرفنا به؟
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على النبي العربي الأُمي الأمين، محمد صلى الله عليه وسلم، مُعلم البشرية جمعاء وهاديها الى السراط المستقيم.
سرمد فوزي التايه، ذلك النسخة الآدمية مُتعددة المنابت والتوجهات والطموحات؛ ولد بجغرافيا، ونشأ بجغرافيا أخرى، واكل تعليمه بجغرافيا مغايرة أيضاً. كما أنه تعلّم علوماً وعمل بعيداً عنها، ثم ما لبث أن اقتحم ميدان آخر مُغايراً لما كان من بيئات العلم والعمل معاً.
هذا هو سرمد فوزي التايه المولود في مدينة البصرة العراقية في العقد السابع من القرن الماضي، ثم انتقل واسرته الصغيرة للسكن والعيش في بلدة بيتا من محافظة نابلس في الضفة الغربية من فلسطين المحتلة بعد استشهاد والده هناك والذي كان يعمل طياراً ضمن قوات سلاح الجو العراقي.
التحق سرمد التايه بالتعليم الأساسي والثانوي بمدارس بلدته بيتا، تابع تعليمه الجامعي في جامعة النجاح الوطنية بنابلس ليحصل منها على شهادتي البكالوريوس والماجستير في البيولوجيا، ثم انتقل طوعاً بعد عشر سنوات من انهائه لدرجة الماجستير الى العاصمة المصرية القاهرة ليكمل فيها دراساته العليا في جامعة القاهرة ليحصل منها على درجة الدكتوراة في الفلسفة في العلوم تخصص بيولوجيا الخلية والأنسجة والوراثة؛ وبذلك فقد استطاع ان يحوز على تنوع جغرافي واجتماعي متنوع في بيئات متعددة تركت كل منها أثرها الجلي على يوميات وسيرة ومسيرة حياته انعكست فيما بعد على سلوكياته التي راح يدور رحاها في العشق المنقطع النظير لتلك العواصم العربية والذي برز الهيام لها وبها من خلال كتاباته واعماله الأدبية عندما سلط الضوء على تلك الأماكن وتلك البيئات وتلك المجتمعات التي ذاب وانغمس في وجدانها وبين حناياها.
2- وُلدتم في العراق كما تفضلتم وتحملون الجنسية الفلسطينية، كيف شكّلت هذه الثنائية الجغرافية والهوية شخصيتكم ومسار حياتكم؟
يقول جبران خليل جبران لا خير فينا إن لم نُحبّ أوطاننا. وأنا أقول رغم أنه لم يُقدَّر لي العيش الطويل في العراق بلد المنشأ التي ولدت بها، إلا أنّ الحنين والعشق لتلك التربة لم يزل يلازمني بعد أكثر من خمسة عقود من الزمن على الابتعاد عنها جسدياً وليس روحياً! هذا وقد استعضتُ بغربتي عن تلك البلاد بالبحث عن رديفتها ليس من ناحية جغرافية، ولكن من ناحية وجدانية، فوجدت ضالتي في بلدي فلسطين التي نشأت وترعرعت ونضجت بها، فكانت تلك الثنائية بالنسبة لي كروحين متلازمتين ما فتئت تجتاحني وتشكل هويتي؛ فغدوت أحنُّ واحنو اليهما دون أن يكون لأحدهما فضلٌ على الأخرى؛ فهذان البلدان هما قلبي وشراييني، وهما جنتاي على الأرض! وقد انبثق عن هذا العشق لكليهما عملين أدبيين على شكل روايتين هما رواية “بين جنتين”، ورواية “يصَّعَّدون في السماء”.
3- حصلتم على الدكتوراه من جامعة القاهرة في بيولوجيا الخلية والأنسجة والوراثة، ما الذي دفعكم لاختيار هذا التخصص الدقيق؟
في الحقيقة ليس للإنسان دائماً دور في اختيار مساراته ومآلاته؛ ففي حين يكون مُخيّراً، وفي أحيان أخرى يكون مُسيراً. وفي هذا الصدد، فأنا لم اختر هذا التخصص على وجه التحديد، وانما كان اختياري لالتحق بجامعة القاهرة لاستكمال دراساتي العليا فيها كونها من اعرق الجامعات العربية، وقد كنت ارنو لدراسة بعيدة الى حد ما عما درسته بمرحلة البكالوريوس والماجستير – وهو علم البيولوجيا- ولكن إرادة الله اقتضت ان تشترط عليَّ إدارة الجامعة ان اعود واستكمل ما تعلمته بالمرحلتين الأولى والثانية وابني عليه للمرحلة الثالثة وتحديداً ما كان في مرحلة الماجستير والتي كانت وقتئذ متعلقة بالبحث عن سرطان البروستاتا في الضفة الغربية، فكان قرار جامعة القاهرة ان اعود واستكمل مهامي البحثية في قسم علم الحيوان من كلية العلوم / شعبة الخلية والانسجة والوراثة، لأختار بمساعدة استاذي الفاضل الأستاذ الدكتور طارق دردير وثُلَّة من الأساتذة الكبار بحثي بعنوان: “الدلالات الحيوية المصلية للسرطان الكبدي الخلوي”.
4- رسالتكم للدكتوراه تناولت “الدلالات الحيوية المصلية للسرطان الكبدي الخلوي”، كيف يمكن لهذه النتائج أن تُسهم في التشخيص المبكر لهذا المرض؟
من المُتعارف عليه علمياً وطبياً أن الأورام السرطانية هي أورام صامتة تبقى فترة طويلة من عمرها بعد نشأتها تفتك بالجسم دون أن يُبدي الجسم أي ردة فعل تجاهها، وعندما تتمكن منه وتبدأ بالنخر به بعد ان تستفحل بخلاياه وانسجته، تبدأ علامات وجودها واعراضها بالظهور، ولكن هنا يكون الوقت قد فات ونفذ.
في رسالة الدكتوراة الخاصة بي، وبأبحاثي العلمية التي امتدت لأكثر من ثلاثة سنوات في جامعة القاهرة والمعهد القومي للأورام التابع لها، عكفت على البحث عن بعض الدلالات البيولوجية الحيوية المصلية كأدوات للتشخيص والكشف المبكر عن الإصابة بالسرطان الكبدي الخلوي خاصة في الأشخاص الذين لديهم القابلية للإصابة بمثل هذا المرض وتحديداً مرضى التهاب الكبد الوبائي من نوعي (ب، ج)، إضافة الى مرضى تليف الكبد. هذا وقد توصلنا بقيادة الأستاذ الدكتور مطاوع الحسيني، والأستاذ الدكتور ممدوح الشربيني من المعهد القومي للأورام، والأستاذ الدكتور محمود عامر من جامعة القاهرة من خلال هذا البحث وهذه الدراسة العميقة الى انه بالاستعانة بأكثر من دلاله حيوية مصلية في آن واحد يمكن ان نزيد في نسبة التشخيص للكشف المبكر عن هذا النوع من الأورام بنسبة تصل الى 100%.
5-بحث الماجستير ركّز على سرطان البروستاتا في الضفة الغربية، هل واجهتم تحديات ميدانية أثناء جمع البيانات في فلسطين؟
يقول المتنبي في قصيدته المعروفة: تريدين إدراك المعالي رخيصة// ولا بد دون الشهد من ابر النحل.
وانا أؤكد وأقول بأن لا شيء في هذه الحياة يتم اقتطاف ثمره والحصول على شهده دون تعب أو كدّ أو مشقّة. وعندما يكون الأمر في فلسطين، يكون للأسف أكثر تعقيداً وصعوبةً ومشقةً وبسبب وجود الاحتلال الجاثم فوق صدور اهليه ومقدراتهم. هذا بشكل عام وبأي موضوع تريد نيله في هذا الوطن المحتل المكلوم، واما بخصوص سؤالكم عن التحديات التي واجهتها اثناء بحثي للحصول على شهادة الماجستير، فإنها كانت كثيرة ومُعقدة ومتشابكة، واذكر منها هنا واحدة على سبيل المثال لا الحصر؛ فعندما رحت اخوض تجربة البحث العلمي للبحث عن بيانات مرضى سرطان البروستاتا في الضفة الغربية المحتلة، تطلب مني السفر الى مدينة بيت لحم البعيدة نسبياً عن محافظة نابلس التي اسكن، ولأن تلك الفترة كانت ضمن الحقبة الزمنية المرتبطة بالانتفاضة الفلسطينية الثانية المُمتدة من سنة 2000 الى سنة 2005، فكان لزاماً عليّ اخوض تلك المشاق في ظل تقطيع أواصر البلاد بسبب الحواجز الإسرائيلية المقيتة التي كنا نخوض عبابها مشياً على الاقدام في كثير من الأحيان على وقع الخوف والرعب من اطلاق النار علينا وعلى الناس المتنقلين بين الاوصال، إضافة الى حالات الاعتقال التعسفي، والضرب المبرح من على الحواجز التي تخنق مداخل المدن والقرى والشوارع الرئيسية والفرعية.
6-تنقّلتم بين التدريس والإدارة والتخطيط التربوي، أيّ هذه المراحل كان الأقرب إلى قلبكم، ولماذا؟
الحياة عبارة عن محطات، منها ما هو اختياري ومنها ما هو اجباري كما اشرتُ لذلك في سؤالٍ سابق. وهنا، على المرء الدخول معترك الحياة الاختياري والاجباري بكل سلاحه وقوته وأدواته أنّا استطاع لذلك سبيلاً.
هنا أقول، ما انهيت رحلة دراستي في العلوم الحياتية في مرحلة البكالوريوس حتى انخرطت بعملي التربوي كمدرس في مدارس محافظة نابلس، وعلى الرغم من أني لم اتنقل كثيراً في مدارسها، واني خلال عشر سنوات من العمل في هذا المجال ارتدت مدرستين ثانويتين فقط، إلا أنني قد حصدت من الخبرة والعلاقات الاجتماعية من مجتمع المدارس الكثير من خلال التعامل المباشر مع الطلبة والزملاء المدرسين وأولياء الأمور، الأمر الذي أهلني لأتحصل على ذخيرة كبيرة في أساليب التدريس والتعامل التربوي الإيجابي، ما جعلني راض النفس عن ذلك أيما رضا.
بذات السياق، فقد ظلّ موضوع التطور الإداري يشغل بالي طوال العشر سنوات المنصرمة، وظل شبح المثل الصيني الذي يقول أنّ الجندي الذي لا يطمح بالتقدُّم جندي فاشل يلوح بالأفق امام ناظري، فرحتُ اسعى للحصول على التطور والتقدم المهني، فتقدمت للعديد من الوظائف الإدارية حتى حصلتُ على وظيفة موظف اداري بقسم الصحة المدرسية بمديرية التربية التعليم في جنوب نابلس، ومكثتُ في ذلك القسم سبع سنوات، إلا أنّ هاجس التطور ظل يراودني ويلاحقني حتى تقدمت لوظيفة رئيس قسم المتابعة في دائرة المتابعة والتقييم بالإدارة العامة للتخطط بوزارة التربية والتعليم، وقد نلت تلك الوظيفة بالفعل بعد مسابقة عادلة. ثم سار بي الزمن بعد خمس سنوات من تلك الوظيفة ليتم تكليفي مديراً للمتابعة والتقييم مرة في الإدارة العامة للتخطيط، ومرة في الإدارة العامة للمشاريع بذات الوزارة أيضاً والتي وما زلت على رأس عملي بها حتى اللحظة.
اما سؤالكم عما هو الأقرب الى قلبي بتلك المجالات، فأقول: ان كل وظيفة من تلك الوظائف كانت قريبة من قلبي في لحظتها وزمنها، إلا أنّ طيف التوق الى التطور ما زال يهاجمني ويراوح امام ناظري، وان أكثر ما يقلقني ويأخذ من هدأة بالي أنني لم أستطع أن أُسخِّر علمي الذي تعلمته اثناء دراستي بمرحلة الدكتوراه في الانخراط في التعليم الجامعي او في أي من مراكز البحث والتطوير عدا سنتين يتيمتين التحقتُ خلالهما كمحاضر غير مُتفرغ بجامعة القدس المفتوحة.
7- من موقعكم الحالي مديرًا لدائرة المتابعة والتقييم، ما أبرز التحديات التي تواجهكم في تطوير التعليم في فلسطين المحتلة؟
ليس التعليم وحده من يعاني في وطني المُحتل، بل كل القطاعات الحيوية باتت تعاني في فلسطين من أثر داعيات وجود الاحتلال الإسرائيلي وسياساته الهمجية؛ فالسياسة، والاقتصاد، والأمن، والسياحة، والزراعة….الخ وجميع القطاعات تعاني الأمرين بسبب هذا الاحتلال البغيض، وطبعاً وعلى رأس تلك القطاعات قطاع التربية والتعليم الذي هو الآخر ينزف دماً ودمعاً على الحال الذي آل اليه بسبب تلك السياسات؛ فمن هدمٍ للمدارس، الى اغلاقها، الى إعاقة الوصول اليها عن طريق الحواجز وتقطيع أواصر المدن والقرى، الى اعتقال وجرح واستشهاد الكثير من الطلبة والمعلمين والكوادر التربوية؛ كل ذلك يُلقي بظلاله على الوضع القائم، ناهيك عن الوضع الاقتصادي المُتردّي والذي لم ينل الموظف بشكل عام والمعلم بشكل خاص طوال فترة طويلة الا انصاف رواتب او ادني من ذلك بقليل، وهذا كله يترك آثاره السلبية المُدمرة على حياة الأجيال الواعدة، وينتقص من حقوقها التعليمية والتربوية.
8-أصدرتم كتبًا علمية، وأخرى أدبية، وقصصًا وروايات، كيف توفّقون بين الكتابة العلمية والكتابة الإبداعية؟
ليس من الحكمة ان يزُجُّ الشخص بذاته أو أن يسجن نفسه أو أن يُقيِّد عقله وفكره في زاوية مُعينة أو اتجاهٍ مُحدّد دون اتباع شمولية الفكر والتفكير والرؤيا المُتبصرة المُتبحرة؛ فالعقل والفكر أكبر من أن يُصفّد ويُقاد الى اتجاه مُعين دون آخر ويجعله أسيراً لهذا الاتجاه.
من هنا، وبسبب الخلفية العلمية التي أنتمي اليها كوني أحمل درجة الدكتوراة في البيولوجيا، إضافة الى الهواية والشغف الادبي، والحُب للغة العربية، كل هذا جعلني انحى بمناحي مُتعددة في مجال نشر وإصدار الكتب العلمية والأدبية، اذ قمتُ بنشر كتب علمية مُتخصصة بالسرطان الكبدي الخلوي باللغتين العربية والانجليزية، ناهيك عن نشر العديد من المقالات العلمية في العديد من المجلات العلمية والطبية الالكترونية منها والورقية.
أما من الناحية الأدبية، فكان هناك تنُّوع في الكتابة والنشر؛ فتم خوض عباب الروايات، والقصص القصيرة، وقصص الأطفال، وكتب التنمية البشرية، وكتب الـتأريخ، والتراث، وأدب الرحلات. وبرأيي هذا عنصر مهم للكاتب أن يمتلك هوية ثقافية مُتعددة الأوجه والتوجهات، لجعله يُحلِّق في سماء الأدب دون أن يُكبّل نفسه بقيود أو أصفادٍ أو أغلال.
9- كتابكم “كمشكاة” يوثّق تاريخ شهداء بلدة بيتا، ما الدافع وراء هذا العمل التوثيقي الضخم؟
من الجحود ونكران الجميل ان يُضحي أحدهم بحياته ودمائه وروحه فداءً لوطنه وقضيته ولا يجد من يحفظ سيرته ولا يعرف مسيرته. فصحيح أنّ هذا البطل قد فارق الحياة الدنيا، إلا أنّ روحه تبقى مُعلقة تُرفرف وتنظر إن كان اهلوها ومُحبوها ما زالوا يحتفظون بذكراها ام هم نسوها وتناسوها وأودعها في غياهب النسيان.
لقد جاء هذا العمل الجليل كتاب ” كمشكاة – السجل الذهبي لشهداء بلدة بيتا – قرن ويزيد من التضحية والفداء” لتدوين أسماء شهداء بلدة بيتا في محافظة نابلس لقرن من الزمان ويزيد (1921 -2023)، فجاء الكتاب سرداً وتفصيلاً وتعريفاً بِسِيَر شهداء بلدتي – بيتا- الذين انخرطوا بالنضال الفلسطيني ضد المحتلين والغزاة منذ فجر التاريخ وعلى امتداد الجغرافيا الفلسطينية في أرض فلسطين التاريخية. فتم في هذا العمل جمع ما جاء به ذوي واهلون واحباب أولئك الشهداء من معلومات واخبار وبيانات عن احبابهم، فاجتهدنا واياهم على نقل ذلك الإرثٍ الخالدٍ المُخَلَّدٍ لهؤلاء الثلة على مَرّ السنين وإلى أبد الآبدين وإلى جميع العالمين.
تم في هذا الكتاب ذكِرَ اسم الشهيد او الشهيدة، ووُضِعَت له صورة في رأس الصفحة حال توفّرها، ثمّ تم ذُكِرَ مكان الولادة وتاريخه، ومكان الاستشهاد وتاريخه، والعمر عند الاستشهاد، والحالة الاجتماعية عند الاستشهاد، كذلك تم تدوين عدد الأخوة وترتيب الشهيد بينهم، إضافة الى التطرق لطبيعة العمل والوظيفة التي كان يمارسها كل واحد منهم في آخر أيامه قبل استشهاده، ثمّ اخيراً تم الحديث عن نبذة مُشرفة عن عمله الوطني المُبجل وحيثيات استشهاده سواء استُشهِد داخل الوطن على ثرى بلدة بيتا، ام خارج حدودها الجغرافية، ام خارج الوطن ككل.
10- روايتكم “يصَّعَّدون في السماء” تحمل عنوانًا لافتًا، ما القصة أو الفكرة التي تقف وراءها؟
رواية “يصَّعَّدون في السماء” رواية بنكهة القضية الفلسطينية نابعة من واقع مُعاش تعود لتاريخ القضية ومحاورها الأساسية المُتمثلة بالتشرد، واللجوء، والضياع، والقتل، والتهويد، مرورًا بالنكبة، والنكسة، والتنكيل القائم بالشعب الفلسطيني عبر الاجيال.
تُصوّر الرواية حياة الفلسطيني البسيطة في المنزل والبيئة المحيطة به، والمدرسة، والأصدقاء، وطريقة تفكيره، وإصراره على المعرفة والبحث والاطلاع، ومن ثم تُصوّر حلم الفلسطيني في الدراسة، والنجاح، ومحاولة البحث عن سلام داخلي في ظل حُب الوطن والدفاع عنه والتضحية في سبيله كفكرة راسخة ثابتة، وأُمنية سامية لا تتغير مع مرور السنين والأعوام، ثم تُعرّج الرواية على ما بات يُعانيه المواطن من ويلاتٍ وقهرٍ وتنكيلٍ بالكل الفلسطيني دون مراعاةٍ لحُرمةٍ أو قوانين دولية. وبهذا، فإن مجريات هذه الرواية يمكن وصفها بأنها من قصص التضحية والفداء من أجل الوطنٍ الحر.
11-ما هدفكم في جمع التراث الشفهي لبلدة بيتا كما ورد في كتاب “أغانينا”؟
من لا يمتلك هوية، فليبحث له عن هوية، ومن لم يكن له إرث ثقافي يفخر به، فهو فقير الحال والمآل. وفلسطين تزخر وتتربع على عرش الثقافة والتراث التليد منذ عصور التاريخ القديم، فإن لم يقم الباحثين والدارسين بالدخول الى كُنه هذا التاريخ واستجلابه وتدوينه، فإنه حتماً سيطاله الموت والنسيان والاندثار. ومن كان له غيرة على بلده، فليلجأ الى واحدة من تلك الأدوات التي تُفضي إلى حفظ واحد أو أكثر من اشكال ومضامين التراث الوطني، وهذا ما قُمتُ به فعلياً بجمع التراث الشعبي الشفهي المنقول في بلدة بيتا من خلال كتاب “اغانينا – التراث الشعبي الشفهي لبلدة بيتا” والمنشور عام 2022. هذا ولم اكتف عند هذا الحد، فهناك خطط طموحة لجمع اشكال أخرى من التراث في السنوات القادمة ان شاء الله.
لقد تم في هذا الكتاب جمع ما جاء مشافهة على ألسن العارفين والمتقنين لهذا التراث وهذا الفن الاصيل ضمن جغرافيا وتاريخ بلدة بيتا الفلسطينية التابعة لمحافظة نابلس في الضفة الغربية المحتلة من أراضي فلسطين التاريخية. فقد تم رصد وتدوين الاغاني الشعبية كما وردت حرفياً على لسان أصحابها ومُردّديها بمصطلحاتها ولهجتها، ولكنتها العامية الأصلية علَّ ذلك يكون ذخراً وحرزاً وكنزاً يُرجع إليه عندما نشتاق لأرواح الأجداد السالفين وحكايات وأغاني وأفراح السابقين؛ فنعتدُّ ونفخر به وبهم ويكون شاهداً ومُصدِّقاً للرواية الفلسطينية الحقيقية التي لا يعتريها الشك ولا التأويل.
12-كتبتم للكبار في مجالات علمية وأدبية، وكتبتم أيضا للأطفال في قصة “قطرة ماء على تاج الملكة” برأيكم أيهما أكثر صعوبة الكتابة للأطفال أم للكبار؟ ولماذا؟
لا شك أنّ الكتابة للصغار أكثر مشقّة وعبئاً من الكتابة للكبار، ذلك أن الكتابة للصغار تتطلب نزول الكاتب للمستوى الذهني للأطفال، وهذا يقود إلى أن يتمثّل الكاتب شعوراً واحساساً بالعُمر الذهني والاجتماعي لتلك الفئة العمرية، فيتعايش على أساسه ومستواه ليتمكن من محاكاة عقولهم، وبالتالي تقريب الفكرة المطروحة لهم لجعلهم يتفاعلون معها ويتعايشون مع مُجرياتها.
13-أنتم عضو ورئيس في عدد من اللجان المجتمعية والخيرية، كيف ترون دور المثقف في خدمة مجتمعه المحلي؟
من المهم والضروري والواجب ألا يقتصر دور المُثقف على الابداع الثقافي والادبي وحسب، بل ومن الأجدر الا يتحوصل ويتقوقع في بوتقته دون أن يُلقي بالاً او يطّلع على واقع الواقع المُعاش والمحيط به. وانه إن تصرَّف هكذا، فسيتحول جسد دون روح، وإلى آلة صمّاء عديمة المشاعر والأحاسيس.
من هنا، فقد كان وجودي لتسخير جهودي في العمل التطوعي في العديد من المؤسسات المجتمعية الفاعلة على ارض الوطن، فكنتُ وما زلتُ رئيساً للجنة زكاة بيتا، وعضو هيئة إدارية في جمعية التقييم الفلسطينية، ولي عضوية سابقة في المجالس الاستشارية للتخطيط الاستراتيجية لبلدية بيتا، إضافة الى العضوية في لجان إعمار بعض المساجد في البلدة التي أنتمي لها.
14- نشرتم أبحاثًا علمية في مجلات دولية، كيف تقيّمون واقع البحث العلمي في فلسطين مقارنة بالدول الأخرى؟
للأسف إنّ واقع البحث العلمي ليس بفلسطين وحدها تُدمى له العيون ويتفطر لها القلوب! فالعالم العربي كله يشاطرنا هذه الحالة وهذه المعضلة! ولو استطلعنا بعض المجلات العلمية التي تُعنى بالبحث العلمي ونشره والاستفادة منه، لوجدنا ان الدول العربية قاطبة في ذيل تلك القائمة في هذا المنحى وهذا المجال! وعلى الرغم من أنّ هناك بعض الطموحات المُتناثرة هنا وهناك من بعض الدول العربية للولوج الى هذا المسار، الا انها لا زالت دون المستوى المطلوب مقارنة بالدول ذات الباع الطويل في هذا المضمار.
15-ما النصيحة التي تقدمونها للباحثين الشباب الذين يواجهون صعوبات في النشر العلمي؟
ليس على عاتق الشباب وحدهم تقع مسؤولية البحث العلمي والنهوض به، فالشباب هم طاقات مُتجددة مُتفجرة يبحثون عمن يُشعل لهم فتيل وشعلة الانطلاق نحو القمم، الا انهم غالباً ما لا يجدون من يقوم بهذا الدور لعجز الحكومات من حولهم بالأخذ بيدهم للنهوض بهم وبأمتهم بسبب غياب الإدارة الاستراتيجية العليا في هذا الشأن. ومع هذا، فإنه من غير المعقول ولا المقبول أن يستكين أولئك الثُّلة المُتفتحة الناهضة الحالمة بالمستقبل المُشرق، ومن غير الأصول أن يرضوا بأن يظلوا راكدين بين الحفر؛ فليشعلوا فتيلهم إن لم يجدوا من يشعله لهم، وليشدوا من عضدهم بذاتهم، وليتعالوا على جراحاتهم؛ علَّهم يتجاوزن المعيقات والعقبات والمطبات الماثلة في طريقهم.
16-من خلال خبرتكم، ما أهم القيم التي يجب أن يتحلّى بها المعلم في بيئة تعليمية تواجه تحديات سياسية واجتماعية؟
القدوة الحسنة هي من اهم القيم التي يجب على المعلمين التّمسُّك والتَّشبُّث بها في كل المراحل العمرية للعمليات التعليمية؛ فهي أسرع طريقة للوصول للهدف المنشود بأقل الجهود وأقل التكاليف. فعندما تكون مُعلماً قدوة، فإنك تختصر الطريق وتجعل من حولك من المُتعلمين يحذون حذوك وهم على قناعةٍ تامةٍ أنهم سيصلون إلى طريقهم ومبتغاهم لا محالة، وانهم لن يضلوا ذلك الطريق ابداً.
17- كيف توازنون بين مسؤولياتكم العائلية كونكم أبًا لأربعة أطفال، وبين انشغالاتكم العلمية والمجتمعية؟
الحياة حُبلى لا تُعطي أياً منا ما يُريده وكما يُريد ووقتما يُريد. وهي كما قال عنها الله في مُحكم التنزيل: لقد خلقنا الانسان في كبد. ومع هذا، فالواجب على كل واحدٍ منا أن يُجاهد نفسه ويحارب لأجل نفسه وبيته وأسرته وعياله بشتى الوسائل والسُّبل، وألا يستكين ابداً ولا يلين، وأن يُعطي جُلَّ طاقاته لأسرته كونه الراعي لهم وهو المسؤول عن رعيته.
وعلى الرغم من أنّ هذا الكَدَر وهذا النكد وتلك الهموم لا تنتهي، إلا أنه يجب أن يبحث كل منا عن فسحة امل يقتات عليها. وبالنسبة لي، فبرغم انشغالاتي العلمية والعملية والأدبية والمجتمعية التي باتت جزء اصيل من حياتي ارتضي بها كما هي، إلا أنى دائماً ما ابحث بين ثنايا هذه الحياة وزواياها عن أي وقت فراغ لأُسخِّره للعيش الرغيد بين جنبات أسرتي التي أحب واعشق وانتمي، علّ ذلك يعود عليهم بالأمن والأمان والطمأنينة والسكون، ويعود عليَّ بالشفاء من الكثير من اسقام الحياة.
18- ما المشاريع التي تعملون عليها حاليا سواء في مجال البحث أو الكتابة أو العمل المجتمعي؟
بالنسبة لي، لا يتوقف عداد العمل الإبداعي والادبي ابداً وبصورة شبه يومية، فما أن أحوز على أي وقت فراغ، حتى تراني اهرول مُسرعاً لاحتضان جهاز اللاب توب الخاص بي وأبدأ في الكتابة بواحدة من الاعمال الأدبية التي رهنتُ نفسي لأن انجز واحدة منها بصورة سنوية على أقل تقدير.
حالياً أنا في أشد الشوق والتّشوّق لرؤية كتابي الجديد الذي يُعد كتاب توثيقي لما جاءت به وسائل التواصل الاجتماعي من الحِكَم والذي سيرى النور قريباً ان شاء الله كونه حالياً في عداد الطباعة في واحدة من دور النشر في فلسطين. وبنفس الوقت، اعكف الآن على جمع شكل آخر من اشكال التراث الفلسطيني لبلدة بيتا وكلي أمل ان يرى النور خلال العام القادم ان شاء الله.
19- إذا عاد بكم الزمن إلى بداياتكم الأكاديمية، هل ستختارون نفس المسار أم كان لديكم حلم آخر لم يتحقق بعد؟
كثيراً ما أتعرض إلى هذا السؤال في خِضِم مجريات حياتي اليومية خصوصاً عند الحديث مع أحدهم عن الاتجاه الادبي الذي سرتُ في ركبه ونهلتُ من معينه رغم الخلفية العلمية التي اقتنيها واسند ظهري اليها، ليكون الذهول والاستنكار من السائلين عن هذا التناقض الذي أعيشه.
أقول هنا دائماً وأبداً وبكل ثقة وحُب: إن المسار العلمي الذي انتهجته وتحصَّلتُ بمقتضاه على الشهادات العلمية في علوم البيولوجيا ابتداءً من مرحلة البكالوريوس، مروراً بالماجستير، وانتهاءً بالدكتوراه قد أثَّر فيَّ واتحفني وزوَّدني بالكثير الكثير من المعارف والخبرات والمعلومات العلمية القيِّمة، وقد انعكس هذا العلم الهام وهذه المعارف على كتاباتي الأدبية واسلوبي الروائي والقصصي، حتى لا يكاد يخلو أي عمل ادبي انتجه من ذكرٍ او إشارةٍ او تلميحٍ او تصريحٍ لحقيقةٍ او معلومةٍ او نظريةٍ علميةٍ تعلمتُها وحُزتها وحصلت عليها من بطون الكتب العلمية المُتعلقة بمواد العلوم الحياتية، وهذه ميزة خاصة وحصرية بي ولي دون الكثير من الكتاب والادباء والروائيين والتي أفخر وأفتخر وأعتز بها ما حييت.
حوار ليلى بيز المشغرية
لمجلة أزهار الحرف