الذاكرة المكانية أو ذاكرة المكان
تعريف الذاكرة
هناك من يُقيّم الذاكرة كوعاء حي، تستقر فيه المعلومة التي يتعرف عليها العقل. وقد اتفق العلماء على تعريف مبسط للذاكرة فقالوا :
“هي القدرة على تذكر التواريخ والوجوه والحقائق والمعلومات والأشكال والمعطيات.” (ويكيبيديا)
ما هي الذاكرة المكانية؟
بحسب علم النفس المعرفي والعلوم العصبية، فإن الذاكرة المكانية هي عملية إدراكية تمكّن الشخص من تذكر مواقع مختلفة، بالإضافة إلى العلاقات المكانية بين الأجسام .
يتيح ذلك للإنسان أن يتذكر مكان وجود جسم بالنسبة لآخر، على سبيل المثال: التنقل في مدينة مألوفة
وتُبنى هذه الذكريات بعد جمع المعلومات الحسية عن البيئة ومعالجتها .
الذاكرة المكانية عبر المراحل العمرية:
1. ذاكرة الطفل
من المهم تحصين ذاكرة الطفل بمعلومات أساسية تساعده في المواقف الطارئة :
اسمه الكامل.
أسماء والديه.
عنوان منزله والحي الذي يسكن فيه.
اسم مدرسته.
رقم هاتف أحد والديه إن أمكن.
فقد يضيع الطفل، وهنا تساعده ذاكرته المكانية في العودة إلى أهله عبر الشرطة أو أي شخص عثر عليه
2. ذاكرة المراهق
المراهق يعيش مرحلة حساسة، يغلب عليها التمرد والانزواء. أحيانًا يترك بيته أو مدرسته أو أصدقاءه، فيضيع داخل أفكاره .
حين تتعطل ذاكرته المكانية مؤقتًا بفعل الضياع الداخلي، يصبح مشوّشًا، لكنه مع الوقت يتذكر من هو، ويستعيد كينونته المخزّنة في الذاكرة .
3. ذاكرة الشاب
تأخذه مشاغل الحياة: سفر، هجرة، دراسة، عمل. قد يبتعد فينسى بعض تفاصيل حياته الأولى.
لكن الذاكرة المكانية تعيده دومًا إلى حنينه الأول: الوطن، الأهل، البيت. ولو عبر مكالمة هاتفية قصيرة، فإن الذكريات تبقى جسر العودة .
4. ذاكرة المسن
هنا بيت القصيد.
بعد السبعين لدى بعض المسنين، يسيطر النسيان على الذاكرة:
ينسون طريق بيوتهم.
يتركون النار مشتعلة على الطباخ.
يهملون قفل صنبور المياه، فتهدر أو تغرق البيت.
يتولد عندهم الشك: “لستُ أنا من فعل ذلك”، بينما الحقيقة أن النسيان هو السبب
قد يخرج أحدهم للمشي وهو بكامل وعيه، ثم تتعطل ذاكرته، فيفقد القدرة على العودة. أحيانًا يستعيد ذاكرته لاحقًا يعود دون أن يخبر أحدًا خوفًا من حرمانه من الخروج وحده .
كل إنسان ينسى، لكن درجات النسيان تختلف
قد ننسى مكان مفاتيحنا أو نظاراتنا
وقد ننسى طريق البيت نفسه
يبقى المكان جزءًا جوهريًا من ذاكرتنا وهويتنا، فهو ليس مجرد موقع جغرافي، بل وعاء للذكريات والروابط الإنسانية .
الذاكرة المكانية هي جسر مخفي ، يربط الانسان بنفسه ، باهله، ببيته ، بمجتمعه …
بضعف الذاكرة ، بتشويشها ، او بفقدها ، يضيع المكان ، تضيع الهوية الوجودية . لذلك رعاية طبية محتمة للمسن قبل ان تحدث كل تلك الامور ، هذا الواجب مسؤولية انسانية في حياتنا تجاه كبارنا .
ملفينا توفيق ابومراد
عضو اتحاد الكتاب اللبنانين
لبنان
2025/8/26