أستغفِرُك يا ربُّ عن خذلانِنا…
(قصيدة اعتذار إلى أهل غزّة، وشهادة بين يدي الله)
يا ربُّ…
ما أمسكتُ سلاحًا في يدي
لكنَّ قلبي ساحةٌ
ومدىً طويلٌ من شظايا الانكسارْ
أنا لم أطلقِ الرصْفَاتِ
لكنّي نَزَفتُ
مع الطفولةِ،
كُلَّما ماتتْ على جوعٍ
وعانَقَها الحصارْ
يا ربُّ…
ما صَفَّقتُ للمذبَحْ،
وما بعتُ الحقيقةَ في مزادِ الذُلِّ
أو نَمْتُ ارتياحًا في دثارْ
أنا شاعرٌ
كُلُّ الذي أملِكْتُهُ
قلمٌ…
وحُنجرةٌ تشقُّ الصمتَ
في هذا الدمارْ…
يا ربُّ،
أشهدُ أنني
حين ارتدى الظُلمُ الصباحَ،
وخانَنا الضوءُ،
وخابَ الخبزُ
في كفِّ الصغارْ
بكيتُ…
لكنّي كتبتُ
على جُدارِ الروحِ:
غزّةُ، لا تموتي…
نحنُ نحملُكِ اعتذارْ
يا ربُّ…
قد رَفَضْتُ الصمتَ
حينَ تواطأتْ شاشاتُهم
في نقلِ مجزرةِ النهارْ
وكتبتُ في ظلِّ القذيفةِ:
أيُّ معنى للعروبةِ
حينَ يجفوها الجدارْ؟
أنا لم أُطعِمْ جياعَ القصفِ
لكنّي كتبتُ:
“مَن لا يملكُ خُبزًا…
يَزرَعُ الكلمةْ”
و”مَنْ لا يملكُ بندقيَّةً،
يَصرُخُ بالحقيقةْ”
يا أهلَ غزّة،
يا وجعَ الأنبياءِ
وأيقونةَ الشُّهداءِ
يا وجعًا يُصلِّي في الضلوعِ
ولا ينامْ
اعذُرونا…
إنْ خَذَلنا الوعدَ
إنْ لَبِسْنا الأُمنياتِ
وعدنا من نشراتِهم
حفنةَ صَمتٍ
وبَكاءً إلكترونيًّا
يذوبُ كما السرابْ…
أنتم الجوعى،
ولكنّ الجياعَ هم نحنُ،
مَن ضاعَتْ بوصَلتُهُ،
وغَرِقَتْ قضاياهُ
بِأَسواقِ الكَلامْ…
فاشهدْ، يا ربِّي،
أنني لم أنحنِ
إلّا لعيني طفلٍ ماتَ واقفًا،
ولأمٍّ
تُرَتِّبُ كفنَهُ
على لهفةِ الفُطورْ…
أنني ما بعتُهم
حتى وإنْ بَاتوا رمادًا
فوقَ أهدابي
وإنْ صاروا قصائدْ…
أنني،
من حرقةِ العجزِ المقيتِ
سَجَدتُ بالحرفِ الأَخيرْ،
وأنّ دمعي،
ما جرى إلّا طهارةً
في زمنٍ
تَوضّأ فيهِ القَتَلَهْ
سعيد إبراهيم زعلوك