دور الصمت المجتمعي في تبرير العنف:
كشف الحقيقة من الأصوات الهامشية-بقلم منارالسماك )
يشكل الصمت المجتمعي تجاه حالات العنف والاعتداء ظاهرة خطيرة تؤدي إلى تفاقم معاناة الضحايا، واستمرار الانتهاكات دون مساءلة في هذا السياق، قد تُكشف الحقيقة من مصدر غير متوقع، كنباح كلب، ليصبح هذا الصوت الهامشي رمزًا لانكشاف نظام اجتماعي متواطئ.
هنانطرح تساؤلات مصيرية: متى يتحول الصمت إلى شريك في الجريمة؟
وهل تظل للبراءة مكانة حين تتحول اللامبالاة إلى قانون غير مكتوب يحكم الضمائر؟
في زمن يُداس فيه الضعف وتُخنق الرحمة، لا عجب أن تنطق الحقيقة على لسان من لا يتكلم. جسد كلبة صغيرة ينزف بخطى مرتجفة على الطريق، كان كافيًا لفضح واقع يُخفي فيه البشر الجرائم ويكشفها الحيوان.
الضحايا، في كثير من الأحيان، لا يُسمَعون إلا إذا صرخوا في المكان الخطأ صرخةٌ لا تُلائم مزاج المجتمع أو لا تتماشى مع صورته عن نفسه هكذا يعمل نظام تواطؤ خفي، يحمي المعتدين بصمتٍ موهوم يُلبس ثوب الحكمة والحياء.
المعتدي في هذه القصة ليس غريبًا، بل مألوف جدًا: رجل يبتسم للجيران، يحيّي المارة، ويقف في الصفوف الأولى للصلاة لكنه في الخفاء، ينهش أجساد الأطفال والفتيات من ذوي الاحتياجات، والكائنات التي لا تملك ما تدافع به عن نفسها
لم يكن فعله معزولًا بل حُميَ بصمتٍ ثقيل، وخوفٍ ناعم الملمس، يحرسه، ومن كشفه عن هذه الحزينة الجار فضولي، والذي غالبًا ما يُسخر منه لنه دائم المراقبة والتطفل، لكنه الوحيد الذي لم يغلق عينيه والوحيد الذي لم يلتزم الصمت.
الصمت الذي يُبرر على أنه حكمة، والتردد المتخفي خلف ستار الحياء، ليسا إلا خيانة صريحة في مجتمع تُقدّس فيه عبارات مثلالله يستر ولا نريد الفضيحة تصبح سمعة المعتدي أغلى من دموع الضحايا وصراخهم.
الإنسان، لا الحيوان، هو من يمارس الاستقواء ويتفنن في الإذلال الحيوان لا يعرف الزيف ولا يرتدي أقنعة، أما الإنسان فأتقن إخفاء الشر تحت عباءة الفضيلة.
الخطر الحقيقي لا يسكن الظلام والعتمة ، بل يمشي بيننا في وضح النهار:
في الأب، العم، الجار، أو الإمام، الذي نثق به لأنه من أهل الخير وهو، في الحقيقة، الذئب الذي يجد في صمتنا غطاءً، وفي خوفنا حماية، وفي تواطئنا فرصة.
لو لم تنزف تلك الكلبة، لظل الوحش يسرح ويمرح، يحتفل ، وينام قرير العين، بينما تُخنق براءة الأطفال وتُدفن أصواتهم في صمت القبور.
أخيراً
ثقافة الصمت المجتمعي ليست مجرد تقصير، بل شراكة ضمنية في الجريمة ولكي يتحقق التغيير الحقيقي، علينا أن نكسر هذا الصمت، ونمنح الصوت حتى لمن يُعتبرهامشيًا
فقط حين نصغي إلى الهامش، ونعترف بقيمة الحقيقة مهما كانت مصدرها، نستطيع أن نبني مجتمعًا لا يساوم على العدالة، ولا يُضحي بالضحايا من أجل سمعة المعتدين.