تنوع الصور الشعرية في قصيدة (وشم على ظل الندى)للشاعرة اللبنانية #زبيدة الفول#.
بقلم الدكتور حمزة علاوي مسربت العلواني – كلية الفنون الجميلة – جامعة المستقبل.
🩵 وشمٌ على ظلّ الندى 🩵
أيا قبلةَ الضوءِ
في عمقِ نبضي الغريبِ،
أتيتُكَ
والشوقُ يعبرُ
في صمتِ قلبي الرهيبِ.
سؤالُ الخجلِ
يتمدّدُ
في رعشةِ الأمنياتِ،
فكيفَ أناديكَ
من بينِ سهوِ
الرتيبِ؟
أُفتّشُ عنكَ
بأغنيَةٍ
تشتهيها الدروبُ،
وفي كلّ حرفٍ
أراكَ تُقيمُ
وتبني نصيبَ
الحبيبِ…
تسلّلتَ من لحظةٍ
كانتِ الوقتَ
في لحظةِ الانتسابِ،
وفيك ارتسمتُ
الرحيلَ
بشكلٍ قريبٍ
غريبِ…
أيا أنتَ،
يا واحةً
في عيونِ السرابِ،
ملأتَ الفراغَ اشتياقًا،
وسكبتَ الأمانَ
على شفةِ
المغتربِ…
إذا ما تباطأتَ
خطواتُكَ الآنَ،
نامَ انتظاري،
وصرتَ
النداءَ العجيبِ.
رأيتُكَ
في طرفِ حلمي،
وفي شهقةِ الوقتِ
كُنتَ الحبيبِ…
وفي لمسةٍ
من يديكَ
استفاقَ الندى
والرغيبِ.
فدعني أكونُ
الصدى
حين يخذلُ صوتَهُ
النأيُ
والتجريبِ…
أنا من تناثرَ
فيك اشتعالي،
ومنك ارتوى
لهفتي والمهيبِ.
فدع عنكَ صمتَ
المدى،
وامنحِ القلبَ
بعضَ النصيبِ…
فمنك ابتدأتُ،
وفيكَ أعودُ
وأبقى
طريقَ اللهيب.
د. زبيدة الفول
………………
#أيا قبلةَ الضوءِ
في عمقِ نبضي الغريبِ،
أتيتُكَ
والشوقُ يعبرُ
في صمتِ قلبي الرهيبِ.
سؤالُ الخجلِ
يتمدّدُ
في رعشةِ الأمنياتِ،
فكيفَ أناديكَ
من بينِ سهوِ
الرتيبِ؟#
يمنح العنوان القاريء عدة قراءات ،بلاغية،تركيبية ورمزية، وهذا ما يغير أفق توقعاته خصوصا ما بين الرمز – الوشم، والصورة الاستعارية-ظل الندى. يعبر ظل الندى عن فكرتي الهشاشة والغياب، وهذا ما يتعلق بالوجود، وكذلك التعبير عن دلالة زمنية مؤقته .يشير الوشم الى دلالة مادية وروحية تعبر عن المشاعر والذكريات،وعليه يعد العنوان وسيلة تواصل مع النص،ولغة بصرية تبصىر اليه، مع اظهار لوحة فنية ذات طابع جمالي.
تبدأ الشاعرة اللبنانية(زبيدة فول) بالمناداة التي تحمل دلالة التعجب والتفخيم،وابرازا للعواطف الرومانسية . تستخدم قبلة الضوء تعبيرا مجازيا يعبر عن اشراقة الصباح ، فهي سيميائية الامل. تتخذ من- النبض الغريب- دلالة تعبر عن الصورة الحسية المتوترة اللامألوفة في الوجود،وحالة الاغتراب التي تعيشها الشاعرة ،وهذا نابع من الاضطراب الداخلي وعدم الاستقرار الخارجي الذي يحمل القلق والوجع، والانفصال عن عالمها الواقعي؛ فالشاعرة عملت كل هذا لخلق تأملات جديدة عند المتلقي. تماثل موسيقيا بين الغريب والرهيب في حالتيهما الوزنية والايقاعية ؛ فصوت الباء احتكاكي يتلائم مع الحالة النفسية للشاعرة،ويكون مشحون بطاقة انفعالية، فهي تصرخ وتتأمل تغيير الحال .تكرر صوت الياء بين حضور وحذف لامتداده ورقته،وما يحمله من مشاعر حزينة واحاسيس مؤلمة .تعيش الشاعرة ايحاءات وخيالات صورية ما بين النبض الغريب – التوتر،والصمت الرهيب -المخاوف التي تصاحب الصمت ؛فكلاهما يعبران عن مساحة من التأمل والبوح ،واظهار التجربة الشعرية للشاعرة.
#سؤالُ الخجلِ
يتمدّدُ
في رعشةِ الأمنياتِ،
فكيفَ أناديكَ
من بينِ سهوِ
الرتيبِ؟#
يعبر الخجل عن دلالة الانكسار التي تشعر بها الشاعرة، فهو يمثل بحد ذاته علامة سيميائية ذات ابعاد نفسية باطنية : أي صراع الشاعرة مع ذاتها،وهذا ما يدل على فقدان التواصل البصري،والتحولات السايكولوجية المادية ما بين الاحمر و الاصفر لملامح الوجه،وارتعاش الجسد،كل هذه السيميائيات تضىء قراءة النص.تعود وتتساءل وباسلوب استفهامي يبحث عن استجالة..عن كيفية الحال،وهي تعيش الخطاب الواحد الممل المعبر عن دلالة الاحباط.هنا يكمن الصراع بين الروحي، وغياب البصر ،وهفوةالنسيان.
#أُفتّشُ عنكَ
بأغنيَةٍ
تشتهيها الدروبُ،
وفي كلّ حرفٍ
أراكَ تُقيمُ
وتبني نصيبَ
الحبيبِ…
تستخدم الشاعرة اللغة الصوتية المتنوعة بنغماتها ما بين النبض ،النداء ،الاغنية ،الشهقة الصدى والناي؛ كل ذلك التنوع يضفي طابع غنائي رومانسي حزين مؤتلف بادواته الموسيقية ومتنوع بايقاعاته اللفظية،ويصبح النص بين مد وجزر كعزف الاوتار على الآلة الموسيقية . تمنح النص حركة اخرى مكانية من خلال لفظة -افتش- وتفاعلها مع النغم الموسيقي المجرد المصحوب بايقاعات زمنية ،حيث تماثل وقع الخطوات مع وقع الايقاع الموسيقى،والانتقال من الواقعية الى الخيال ،من الوعي الى اللاوعي:رؤية الحلم الرومانسي ،من اجل ان تستعيد ماضيها،فهذه الايحاءات الصورية الخيالية تجعل المتلقي يشعر بقراءة لغة شفيفة خالية من المعجمية المعقدة.تعطي نصها بياضات كي تعطي المتلقي محطة استراحة يعيد توقعاته ،
فضلا عن خلق توازن مع السواد في النص. تميل الشاعرة الى تنوع القوافي كي تغازل الموسيقى الداخلية للنص.
#
تسلّلتَ من لحظةٍ
كانتِ الوقتَ
في لحظةِ الانتسابِ،
وفيك ارتسمتُ
الرحيلَ
بشكلٍ قريبٍ
غريبِ…#
تمكنت الشاعرة من جعل خطابها رومانسي غنائي من خلال بناء الجمل الشعرية القصيرة المقفاة.تنوع مفردتها المختلفة شكلا والمتماثلة مضمونا مثل:الرحيل/الغريب كلاهما يحملان دلالة الحزن ،كما انها لايعبران عن حالة اعتباطية، بل عن نتاج فهم الذات ،والسعي لخلق واقع جديد يتلائم والحالة التي تعيشها الشاعرة. يتميز النص بسيروره زمنية متوافقة ايقاعيا مع حدث النص في بعده -غريب،وفي قربه، ومنح المتلقي سيميائية الحذف كي يتفاعل المتلقي مع النسق الشعري . تعبر هذه اللحظات عن حالة تحول في وعي الشاعرة، وما تحمله من دلالات انفعالية عاطفية .
#أيا أنتَ،
يا واحةً
في عيونِ السرابِ،
ملأتَ الفراغَ اشتياقًا،
وسكبتَ الأمانَ
على شفةِ
المغتربِ…#
تكرر النداء من أجل التوكيد والتنبيه ،وتستخدم الواحة كرمزا استعاريا يعبر عن الامل والصورة البصرية الخضراء، وتستخدم عيون السراب كصورة مجازية تعبر عن الوهم البصري،وتمنحه طابعا انسنيا يعزز الصورة البلاغية للنص، كل هذا يعبر عن مدى العلاقة العاطفية والتأثير النفسي على وقع الصورة البصرية والذهنية للشاعرة،حيث تعيش صراعا بين الحقيقة والوهم .تعبر شفة المغترب عن الشعور بالصمت وكتمان العهد ،وهذا ما يعبر عن غياب الصورة الصوتية وحضور الصورة الخيالية التي تغازلها الشاعرة .
#إذا ما تباطأتَ
خطواتُكَ الآنَ،
نامَ انتظاري،
وصرتَ
النداءَ العجيبِ#
تتخذ من- إذا ما -كاداة رمزية تعبر عن دلالة التوكيد؛ومن تباطأت الخطوات كناية عن التراخي،والنداء العجيب تعبيرا عن الذهول،والوجود في عالمها الفكري.تستغيث عاطفيا مصحوبا بالتوتر الذهني ،وتعيش حالة الصراع مع الزمن بين الايقاع البطيء في خطواته ،والايقاع السريع من لوعة وشدة الشوق؛وهذا ما يضفي نوعا من الحركة تعجل من سيرورة الزمن.
#رأيتُكَ
في طرفِ حلمي،
وفي شهقةِ الوقتِ
كُنتَ الحبيبِ…
وفي لمسةٍ
من يديكَ
استفاقَ الندى
والرغيبِ.#
توظف -طرف الحلم -كناية عن البداية ومرحلة التحول العاطفي،فالحلم نافذة تطل على العقل الباطن،تعبر عن مشاعر الشاعرة،وهذا يدل على وجود حضور الشاعرة، والغيب الباطني للآخر.تتخذ من الحلم تقنية تتجاوز به الواقع ،ويعد أيضا وسيلة لهروب الشاعرة من الواقع النفسي لها ،وكذلك الحل البديل لها لمواجهة التوتر الذاتي . وتتخذمن -شهقة الزمن-اللحظة القوية المفاجئة من الوعي،فضلا عن دلالة المرور السريع للوقت الذي تعيشه .تعبر -اللمسة -عن الصورة الحسية التي تضفي جمالا على النص.تمثل- استغاثة الندى- حالة من التحول الزمني من الليل الى الصباح ،وهذا ما يوازي التحولات الذاتية للشاعرة عند بناء الصور الشعرية في النص.
#فدعني أكونُ
الصدى
حين يخذلُ صوتَهُ
النأيُ
والتجريبِ…
أنا من تناثرَ
فيك اشتعالي،
ومنك ارتوى
لهفتي والمهيبِ.
فدع عنكَ صمتَ
المدى،
وامنحِ القلبَ
بعضَ النصيبِ…
فمنك ابتدأتُ،
وفيكَ أعودُ
وأبقى
طريقَ اللهيب#
تعزز الشاعرة نصها الحالي بثنائية الفعل – ابتعادصوت الآخر – ورد الفعل المتمثل باستجابتها- ان تكون صداه، فالبعد يتناسب عكسيا مع الصوت ؛وهذا يتماثل مع بعد الآخر ، وغياب صداه:أي ثنائية الحضور والغياب : البعد والقرب،هذه الثنائيات تعد القوة الفاعلة التي تحرك النص وتزيد من تنوعاته الدلالية البصرية والصوتية التي توازي البعد البصري، وغياب الصدى الصوتي .تحاور الشاعرة في خطابها الشعري بعدة صور متعاقبة مشحونة بعاطفة ساخنة، فهي تسترسل بالامر الذي يحمل طاقة انفعالية شديدة الشوق والالزام . تحمل لفظة اشتعالي دلالة شدة الشوق ونزاع النفس اليه، وتحول الشاعرة من الحاضر إلى الماضي ،نتيجة عدم التواصل العاطفي بينهما، ومن هناك تتسارع القوة النفسية والعقلية في اظهار ايجابيات الشاعرة وتلافي سلبيات الاخر، وهذا ما يعبر عن التجرية الشعورية والعاطفية للشاعرة .تعود وتكرر الفعل- دع- للتعبير عن طاقتها الانفعالية،وخلق سيرورة زمنية من الماضي الى الحاضر و المستقبل،هذا التواصل الزمني يحافظ على العلاقة بين الدلالات اللغوية والصوتية والمكانية،وتحقيق حالتي الحبك والسبك في النص. تكرر الشاعرة صوت الكاف لانه يعبر عن صور متحركة ومتنوعة ذات ايقاعات موسيقىية تعبر عن روح الخطاب وعلاقته بالمخاطب،لهذا يحافظ التكرار على الرابط اللغوي والتفاعل مع الدلالات الأخرى في النص، فضلا عن ذلك فهو دلالة الخطاب والتنبيه والتأكيد . يعبر تكرار صوت الباء بالاضافة لبعده الموسيقي ، عن الحالة النفسية للشاعرة التي تتأمل تغيير الواقع العاطفي من قبل الآخر،وكذلك اضفاء الصفة الجمالية على النص .