الشاعرة التونسية ـ الفرنسية آمال صالح
بين تونس وباريس، بين العربية والفرنسية، تنسج الشاعرة آمال صالح نصوصها التي تحمل في ثناياها حنينًا واغترابًا، مقاومة ناعمة للزمن، واحتفاءً بالطفولة والذاكرة والإنسان. درست في السوربون النقد الأدبي والألسنية، لكنها آثرت أن تجعل الشعر وطنًا بديلًا ومساحة حرة للكشف والبوح، فكتبت باللغتين، وأصدرت دواوينها التي قاربت الوجع والحنين والطبيعة والرمز، لتؤكد أن الكلمة قادرة على منحنا خلاصًا صغيرًا في مواجهة العالم. في هذا الحوار، تكشف آمال صالح عن رؤيتها للشعر واللغة والاغتراب والمرأة، وعن تجربتها بين الشرق والغرب، وعن دورها الثقافي والإعلامي في بناء جسر بين الحلم والحياة.
من هنا كان لمجلة ” ازهار الحرف” معها هذا الحوار.
حاورتها من لبنان: د. زبيدة الفول.
1. الغربة بالنسبة لكِ لم تعد جغرافيا، بل ذاكرة ممتدة بين تونس وباريس… كيف تتجسد هذه الذاكرة في قصائدك؟ وهل تشعرين أن اللغة صارت وطناً بديلاً؟
اللغة هي تمثل لي عالما بأكمله…أنا أتحسسها كنعمة من نعم الله…أتحسسها كمكان يحتويني… كجسد يفتح ذراعاه لي حتى يطمئنني ويزيح عني الخوف… يتشكل الوقت بالنسبة لي من خلال اللغة…
لا أعرف ماذا أقول عنها أكثر من أنها عالمي السحري الذي أختبىء فيه كلما أحسست بالوحدة…!
بالنسبة للذاكرة هي حنين موجع أحيانا… لأنها تناقض الواقع في أحيان كثيرة… الحقيقة أقول لك أن العلاقة معقدة مع الذاكرة… أحيانا هي مصدر وجع وأحيانا أخرى مصدر قوة.
2. درستِ في السوربون، وحملتِ النقد الأدبي والألسنية معك… كيف أثرت هذه الخلفية الأكاديمية على شعرك؟ وهل تخشين أن يُكبّل النقدُ شاعريتك؟
بالعكس النقد الأدبي جعلني ارجع لأكبر المراجع الأدبية العالمية وأفكك رموز المكان والزمان وأفهم كيف تكون خلفية النصوص الأدبية وعمقها… كل هذا جعلني أكثر نضوجا في الكتابة… عرفت الكثير من الأسرار… الاطلاع على أكبر المدارس الأدبية هي المعرفة… المعرفة التي تجعلنا نفهم الأشياء بشكل مغاير… ونخرج من البوتقة الضيقة…
3. تكتبين بالعربية والفرنسية… هل تجدين أن القصيدة تتغير روحها حين تنتقل من لغة إلى أخرى؟ أم أن الروح واحدة واللغة مجرد قناع؟
بالنسبة لتجربتي الخاصة…كل شيء يتغير اللغة والروح
4. تحمل دواوينك مثل “رائحة الكلمات” نزعة مقاومة للحياة الحديثة… هل تعتبرين الشعر وسيلة “مقاومة ناعمة” ضد ابتلاع الإنسان في صخب العالم؟
الشعر هو نبع الحياة… نستمد منه الأمل…نستمد منه الإرادة كلما ضعفنا… هو بديل الأشياء القبيحة التي تزعجنا في الواقع… فنعود للشعر لنتزود بالجمال وتصبح الروح تحلق وتسمو وتقول أنا موجودة… أنا موجودة
5. لو أردنا أن نقرأ شعرك كـ”سيرة ذاتية موازية”، أين تختبئ آمال صالح الحقيقية في نصوصها؟ وأين تتوارى خلف الرموز؟
كل حرف كتبته نبع من إحساس صادق… هي تترادف مع إيقاع الحياة بلغة شعرية
6. أنطولوجيا الشعر التي ضمتك في باريس إلى جانب شعراء فرنسيين… هل شعرتِ أنك في حوار مع الغرب، أم في مواجهة معه؟
بالتأكيد في حوار… أنا في الشعر أنشد الانسجام… المواجهة لست من هواتها في كل الميادين.
ربما أستبل المواجهة بالتحدي… ليس تحدي الآخر ولكن تحدي نفسي… أن أطور من نفسي مثلا وأبرهن على الشعر هو ليس فقط كلمات ولكنه روح… كم من شاعر يظن أنه بارع ويمتلك مفاتيح اللغة ولكن هناك سر في روح الشعر… يمكن أن توصله بكلمات بسيطة… وأعرف أنني أمام امتلاك الشعراء الفرنسيين للغة ولهم مفردات عالية…أكيد أنها تفوت مقدرتي… لأنها ليست اللغة الأم بالنسبة لي… ولكنني متقبلة لذلك وأحتفي معهم بقصائدي وأرتلها بكل حب.
7. كيف ترين حضور “المرأة الشاعرة” في فضاء الأدب العربي اليوم؟ وهل ترغبين أن يُقرأ شعرك كـ”شعر امرأة” أم كـ”شعر إنسان” بلا تصنيف؟
المرأة أثبتت نفسها في الكثير من الميادين… وتميزت بالشعر…الحقيقة أنا لا أقف كثيرا عند هذا الموضوع… المهم بالنسبة لي هو الإنسان.
8. في دواوينك حضور للطبيعة والألوان… هل هي محاولة للعودة إلى الطفولة الأولى في تونس، أم استدعاء لتوازن مفقود في باريس؟
الطبيعة في الحقيقة هي تأثري بالمدرسة الرومنطيقية التي كانت درستها في الثانوي ضمن برنامج الأدب… والمدرسة الرومنطيقية كما تعرفون تعتمد على الطبيعة…
وأنا من عشاق الألوان والفن التشكيلي…
9. قلتِ ذات مرة إن “القصيدة لم تُكتب بعد”… ما ملامح تلك القصيدة التي لم تولد؟ وهل هي مشروع حياة أم حلم مؤجل؟
هو ربما فلسفتي في الحياة أن أعمل على تطوير ذاتي وامكانياتي… وأن أركز على جعل قصائدي مميزة… عشق الكتابة هو الذي يحثني نحو الأفضل…
10. تحملين مسؤوليات ثقافية وإعلامية إلى جانب الكتابة… كيف توفقين بين دوركِ كصانعة معنى للآخرين وبين حاجتكِ للإنصات لصوتك الداخلي
الحقيقة أجد صعوبة كبيرة… لأن أحتاج كثيرا لصوتي الداخلي حتى أكتب بكل حرية… ولكن العمل اليوني لا يترك لي المجال… فالكتابة تحتاج لصفاء الذهن… وصفاء الذهن يحتاج للتفرغ… مسؤولياتي مع المؤسسات الإعلامية تنبع من حبي لوطني… وطني هو من الخليج إلى المحيط لأن الثقافة بصفة أنا اعتبرها مكسبا مشتركا بيننا… لا يمكن للثقافة أن ترضخ للحدود مثلها مثل الفن… ففي أي مكان أقدم خدمات ثقافية أعرف أن ثمارها ستعم على الكل.
وأنا أؤمن أن هذا العمل الثقافي هو مسؤولية مشتركة وهو أملنا في مجتمع أفضل وفي غد أفضل.
11. إذا كان الشعر “أداة كشف” كما يرى بعض الفلاسفة، فما الذي كشفه لكِ شعرك أنتِ شخصيًا عن نفسك وعن العالم؟
الشعر هو ليس محاولة فهم العالم… بل هو إمكانية التعايش معه…
12. في زمن الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل السريعة… هل ما زال للشعر مستقبل؟ أم أنه قدره أن يبقى في الهامش كصوت استثنائي للمقاومين بالحلم؟
علينا أن نعي كيف نستخدم أولا الذكاء الاصطناعي في مجال العمل… وكيفية التعامل معه بصورة مهنية… من جهة أخرى الشعر هو مجال آخر يبقى بعيدا عن روتين الحياة اليومية والعملية… الشعر هو الحلم هو العالم الذي يخفف علينا ما آل إليه الواقع من “كساد في المشاعر ومن لامبالاة.
الخطر الأعظم والكبير إذا جنح الإنسان لاستعمال الذكاء الاصطناعي في المجال الأدبي… انها الطامة الكبرى… وصدقوني لا أبالغ في التعبير.
13. ما رأيك بالملتقيات الأدبية لا سيما ملتقى الشعراء العرب ومؤسسة الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد ومجلة أزهار الحرف؟
بصراحة أعتبر الشاعر ناصر رمضان أنموذجا للمثقف… يتسم بالعطاء… وهو يعطي الكثير للأدباء من حوله… أسس مجلة أزهار الحرف… البوابة…اللقاءات المباشرة والمفتوحة لكل الأدباء لتقديم أعمالهم… دؤوب جدا
أوجه له من خلال هذا الحوار باقة من الشكر والتقدير لكل ما يقوم به.
14. كيف تنظرين إلى العلاقة بين الصحافة الثقافية والإبداع الشعري؟ وهل تعتقدين أن ممارسة الأولى تُغني الثانية أم تستنزفها؟
بالنسبة لي الصحافة الثقافية هي رسالة لي… ماذا أقدم لمجتمعنا العربي… كلنا مسؤول … وأنا أدرك أن حتى الخطوة الصغيرة هي تستمر ستكون مسارا بأكمله… تتبعه الأجيال… كل عمل ثقافي مهم لبناء أمة. طبعا الخياة تقوم على تضحيات عديدة… والإبداع سيجد مكانه إذا كان عشق الحرف يسكننا.
15. لو خُيّرتِ أن تختتمي مسيرتك بعمل واحد يحمل خلاصة تجربتك، ماذا ستكتبين؟
ديوان شعر أم قصة.
والله الشكل الأدبي لا يهمني كثيرا بقدر ما يهمني المحتوى… والأكبر من ذلك استمرارية الكتابة بنفس الروح وبنفس العشق.