قراءة لقصيدتي صمت الزجاج من الناقد والاديب الدكتور محمد أبو قرون من دولة السودان
الشاعر رضا بوقفة، تحية تقدير واحترام لقلمك الذي يجيد العزف على أوتار الغموض الفلسفي بمهارة شاعرٍ يعي أن النص أحياناً يصبح لغزاً لا ليدخل القارئ في متاهة، بل ليفتح أمامه احتمالات متعدّدة للتأويل. نصك “صمت الزجاج” ينهض على ثنائية التضاد: عاصفة وهدوء، صمت وضوء، ستر وانكشاف. هذا التوتر الدائم بين الأضداد يُنتج شعريته الخاصة، حيث يبدو الزجاج رمزاً هشاً وشفافاً في آن، قادراً على عكس الصورة لكنه عاجز عن احتضانها، كأنه مجاز عن الحياة في انكساراتها.
لغة النص محمّلة بالصور الاستعارية الكثيفة، بعضها يفيض بجمالية التناقض مثل “بيادر عاتية تتصارع مع أمواج هادئة”، وبعضها يشي برغبة في بناء فضاء تأملي يتجاوز المشهد الخارجي إلى معنى داخلي. لكن النص، برغم قوته الصورية، يراوح أحياناً بين الإيحاء والشرح، مما قد يضع القارئ في حالة ارتباك: هل هو أمام لوحة تجريدية بصرية أم أمام انبثاق وجداني مباشر؟
من الناحية الإيقاعية، نلمح اعتماداً على التوازن الجُملي أكثر من الموسيقى الداخلية، وهو ما يمنح النص طابعاً أقرب إلى النثر الشعري منه إلى الوزن الشعري، لكن هذا الاختيار يفتح أمامك فضاءً أوسع للتجريب، خاصة وأنت تميل إلى بناء شعر فلسفي قائم على الرمز واللغز.
أما من حيث البنية الدلالية، فإن حضور “الصمت” كعنوان ومفتاح نصي يشي بالبحث عن منطقة ما وراء القول، حيث تنقلب الكلمات إلى مرايا تعكس صراعاً داخلياً بين الإفصاح والكتمان. وهنا ينجح النص في تأسيس ما يشبه التواطؤ الخفي مع القارئ: فالمعنى لا يُقال دفعة واحدة، بل يُترك ليُستشف بين السطور.
يبقى جمال نصك في كونه يفرض على القارئ أن يكون مشاركاً لا متلقياً سلبياً، يقرأ ببطء، ويستحضر خلفيته الفلسفية والتأملية لفك شيفرة المعنى. وهذا ما يميز “شعر اللغز” الذي أشرت إليه، لأنه لا يقدّم الجواب بقدر ما يستدعي السؤال.
دمت أيها الشاعر ظلاً جميلاً يختبئ في بيادر الحروف، ويشعل الزجاج صمتاً منيرًا.
#شعر
#النقد_الأدبي
#الفلسفة
#رضا_بوقفة
#صمت_الزجاج
صمتُ الزجاج
بيادرُ عاتيةٌ
تتصارعُ مع أمواجٍ هادئة،
تحملُ مياهَها،
وتُنعشُ الظمأ.
ندى يتساقطُ
على زجاجِ الصمت،
وأوقاتٌ تُطأطئ صفحاتَها،
بلبلٌ يُغرّدُ بأجملِ ألوانِه،
ينتظرُ بدايةَ اللقاء.
ضوءُ النهار،
وبدرُ الدجى،
يُضيئانِ رقعةً تبكي
في زوايا تحترق.
سترتْ مكانًا مكشوفًا،
لتبقى الأحلامُ غيرَ
مُجرّدةٍ من الصمت،
تُكتبُ في انعكاسٍ
لصورةٍ لا تكذب،
حين تتلاقى الملامحُ
ساعةَ انقشاعِ الزجاج.
بقلم الشاعر رضا بوقفة شاعر الظل
وادي الكبريت
سوق أهراس
الجزائر
الشعر اللغز الفلسفي