ما تَبقّى من الشِّعر
✍ سَعيد إِبْرَاهِيم زَعْلُوك
ما تَبقّى من الشِّعرِ…
سُطورٌ تَنهضُ من غُبارِ الليل،
كأنَّها نَبتةٌ يابِسة
تَشقُّ طريقَها في صَخرٍ صَلد،
تَرتَجِفُ كطِفلٍ على بابِ الغُربة،
وتَحتمي بظلِّ كلمةٍ لم تُكتَبْ.
هوَ نَفَسٌ أخير،
شَهيقُ عاشقٍ أُغلِقَت في وجهِه الطُّرُق،
فبَقِيَ يُغنّي للحُلمِ وهوَ يَنزِف،
ووجعٌ يتدلّى مثلَ قنديلٍ يُضيءُ للحزانى
ولا يَكفُّ عن البُكاء.
ما تَبقّى من الشِّعر…
ليسَ قَوافِي تُرصَفُ ببرود،
ولا أوزانًا تُقاسُ بمِسطرة،
إنَّهُ صَوتُ قلبٍ يَحتَرقُ ويَبوح،
وصَدى رُوحٍ تُكابِدُ لتَنجو من الصَّمت.
إنَّهُ رائحةُ خُبزٍ يَتفَتَّت في يَدِ أُمٍّ
لم يَعد إليها وَلَدُها،
أو بقايا وُعودٍ عالِقة
على حبالِ الغُربة،
وأسماءٌ محفورةٌ على جُدرانِ الليل
كي لا تَمحُوها الرِّياح.
ما تَبقّى من الشِّعر…
أَنا حينَ أبحثُ عنكَ في صَوتي،
وأنتَ حينَ تَجِدُني في دَمعِكَ،
ونحنُ حينَ نُدرِكُ أنَّ الحُروفَ أصدقُ من البَشر،
وأوفى من الأوطانِ حينَ تَخذل.
هوَ حُرقةُ مدينةٍ غَسَلَتها الخَيباتُ بالمِلح،
وأنينُ فَتىً إلى قُبلةٍ يَتيمة،
وضَحكةٌ مَكسورة تَتردَّدُ في ذاكرةٍ مُقفَلة.
ما تَبقّى من الشِّعر…
ظِلٌّ يَتشبَّثُ بالضَّوءِ ولو كانَ باهِتًا،
قَلبٌ يَرفُضُ أن يَستسلمَ حتَّى وهوَ يَنزِف،
وصَوتٌ يُعلَنُ كالوَصِيَّة:
أن يَبقى في الدُّنيا مَكانٌ لِمن يُحبّون،
ولِمن يُقاومون،
ولِمن يَزرعون الحَياةَ في وَجهِ المَوت،
كي لا يُطفئَ الرَّمادُ آخرَ قَبَسٍ في الرُّوح.