انحسار أثر العولمة على الأمن القومي العربي في ظل كوفيد-19: قراءة في دراسة الدكتورة منال البطران*
أولاً: مدخل عام
ينطلق الكتاب من فرضية رئيسية مفادها أن جائحة كوفيد-19 مثّلت منعطفًا كشف حدود العولمة وأعاد الاعتبار لدور الدولة القطرية، خاصة في ما يتصل بالأمن القومي العربي. في مقدمة مكثفة، ترسم المؤلفة خلفية فكرية وتاريخية للعولمة منذ السبعينيات، مبيّنةً كيف تحوّلت من مصطلح اقتصادي إلى بنية متشابكة تمس السياسة والاتصالات والثقافة. غير أن صدمة الجائحة – كما توضح – أظهرت هشاشة هذه المنظومة، وأعادت ترتيب أولويات الدول، لتغدو مسألة الأمن القومي العربي في قلب التحدي.
ثانياً: البنية والمنهج
يكشف تسلسل الفصول عن هيكل أكاديمي متدرج يجمع بين التأصيل النظري والتحليل التطبيقي:
1. إطار نظري ومفاهيمي: يناقش المفاهيم الأساسية للعولمة والأمن القومي، ويؤسس لأدوات التحليل.
2. العولمة وتأثيرها على الأمن القومي العربي: يرصد عمليات العولمة ومخاطرها الثقافية والاقتصادية، وصولاً إلى أثرها في اختراق الأمن القومي.
3. خصائص الأمن القومي ونظرياته: يعرض الجيل الرابع من النظريات الأمنية، والعلاقات الدولية المرتبطة بالقضايا الاجتماعية
4. عوامل اختراق الأمن القومي العربي: يميز بين العوامل الداخلية والخارجية.
5. العدالة الاجتماعية: يربط بين اختلال العدالة واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء وتداعيات ذلك على الاستقرار.
6. آليات المواجهة: يقدم مقترحات عملية لمواجهة الاختراقات، مع نموذج للمملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب فكرياً.
7. انحسار العولمة في ظل كوفيد-19: يتناول عودة دور الدولة القطرية واستشراف مستقبل العولمة.
هذا التسلسل يعكس منهجًا تحليليًا يبدأ من المفهوم وينتهي إلى التوصية، جامعًا بين القراءة النظرية والدراسة الميدانية للتجربة العربية.
ثالثاً: الأفكار المحورية
ازدواجية العولمة: تراها المؤلفة مشروعًا اقتصاديًا وسياسيًا في آن، يتيح فرصًا لكنه يهدد الهوية والثقافة.
الأمن القومي العربي: ليس عسكريًا فحسب، بل يتسع ليشمل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
الجائحة كعامل كابح: تؤكد أن كوفيد-19 مثّل اختبارًا عمليًا أوقف اندفاع العولمة، وأعاد الاعتبار لسلطة الدولة وحدودها.
العدالة الاجتماعية: تبرز كركيزة للأمن القومي، إذ إن الفجوة الاقتصادية تُعد مدخلًا لاختراقات خارجية.
آليات المواجهة: توصي بمقاربات شاملة، من تعزيز السياسات الوطنية إلى التنسيق العربي في مكافحة الإرهاب.
رابعاً: قراءة نقدية
يمتاز الكتاب بوضوح الإشكالية وحداثة الموضوع؛ إذ يربط بين متغير عالمي راهن (الجائحة) وإطار أوسع (العولمة والأمن القومي). قوة العمل تكمن في الجمع بين تحليل سياسي واقتصادي وثقافي، وإبراز البعد الاجتماعي للأمن.
غير أن التركيز يظل وصفيًا في بعض الفصول، وكان يمكن تدعيمه ببيانات كمية أو مقارنات إقليمية أوسع. كذلك، يبقى الحديث عن «مستقبل العولمة» مفتوحًا على احتمالات أكثر من كونه توقعات مبنية على نماذج.
خامساً: قيمة الكتاب
يقدّم هذا العمل إضافة مهمة للمكتبة العربية، إذ يربط بين نظريات الأمن القومي ومتغيرات الصحة العالمية، ويعيد النقاش حول قدرة الدول العربية على حماية مصالحها في عالم متغير. كما أنه يفتح باب البحث أمام دراسات ميدانية حول كل دولة عربية وكيفية تكيّفها مع «مرحلة ما بعد العولمة».
في النهاية :
يرسم كتاب الدكتورة منال البطران لوحة فكرية وسياسية تُبرز كيف يمكن لأزمة صحية عالمية أن تعيد رسم خريطة العلاقات الدولية والأمن القومي. إنه دعوة لإعادة النظر في مسلّمات العولمة، والتفكير في أمن عربي يقوم على العدالة الاجتماعية والقدرة الذاتية، لا على الاندماج غير المشروط في النظام العالمي.