قصيدة بلا روح صاحبها… جثمان بلا نفس
في زمن تتسارع فيه النصوص كما تتسارع الأخبار والصور، صارت القصيدة عند كثيرين مجرّد مادةٍ تُستهلك وتُنسى. تُرسل بلا أثرٍ لصاحبها، فتبدو كجسدٍ بلا نفس، أو نصٍّ بلا روح. وهنا تكمن خطورة اختزال الشعر إلى حروف تُنشر في الفضاء الرقمي بلا هوية.
النص الحيّ والنص الميت
القصيدة ليست زخرفة لغوية ولا مجرد وزن موسيقي؛ إنها امتداد لروح الشاعر، انعكاس لنبضه وتجربته وقلقه الداخلي. وما لم تحمل القصيدة هذه الروح، فإنها سرعان ما تتحول إلى كلمات جامدة. نص بلا صاحبه يشبه الظل بلا جسد: حاضر في الشكل، غائب في الجوهر.
الاستهلاك الأدبي
النشر السريع جعل النصوص تتداول كما تُتداول السلع. لكن الشعر ليس سلعة، بل تجربة وجودية تحمل بصمة صاحبها. لذلك، فإن نشر القصيدة بلا هوية شاعرها أو صورته أو توقيعه، يُفقدها شيئًا من حضورها الأصيل، ويحوّلها إلى نص عابر يُستهلك ويُنسى.
الشعر ككائن حيّ
يمكن النظر إلى النص الأدبي ككائن حيّ:
اللغة هي جسده،
الاسم والصورة ملامحه،
أما الروح فهي صدق الشاعر وتجاربه.
فإذا اجتمع الجسد والملامح بلا روح، كان النص جثمانًا بلا نفس.
دعوة إلى الحضور
إنّ ما يحتاجه الشعر اليوم هو العودة إلى الحضور الأصيل. أن يكتب الشاعر نصوصه بروحه كاملة، وألّا يسمح بأن تُختزل إلى مجرد عبارات عابرة في فضاء الاستهلاك. القصيدة الحيّة هي التي تتنفس بروح صاحبها، وتحمل أثره حتى بعد رحيله.
في النهاية، يظل السؤال مفتوحًا أمام كل شاعر:
هل نكتب لنستهلك النصوص، أم نكتب لنترك أثرًا لا يزول.
كيف يُنفى وجهي عن قصيدتي
قالوا:
لا ترسل صورتك،
فالنصُّ لا يحتاجُ ملامحَك.
قلتُ:
وهل يمشي المعنى بلا ظلّه؟
وهل يُغنّي الحرفُ دون حنجرةٍ؟
وهل يُصدّقُ القارئُ
قصيدةً بلا وجهٍ يشهدُ عليها؟
أنا لا أُرفقُ صورتي،
أنا أُرفقُ روحي.
فإن حذفتموها،
فقد قتلتم النصَّ مرتين:
مرةً حين نُشر،
ومرّةً حين نُسي من كتبَه.
بقلم الشاعر رضا بوقفة شاعر الظل
وادي الكبريت
سوق أهراس
الجزائر
الشعر اللغز الفلسفي