زَهْرَةُ اللُّوتُس… إِشْرَاقَةٌ مِنَ الألَمِ
فِي أَعْمَاقِ الْمُسْتَنْقَعِ، حَيْثُ الطِّينُ يَخْنُقُ وَالْمَاءُ يُغَطِّي وَتَبْدُو الْحَيَاةُ مُسْتَحِيلَةً، تَعِيشُ زَهْرَةُ اللُّوتُسِ، تَصْمُدُ بِصَمْتِهَا، تَنْمو مِنَ الألَمِ، تَتَفَتَّحُ رَغْمَ الظَّلَامِ، وَتُعَلِّمُنَا أَنَّ الْجَمَالَ الْحَقِيقِيَّ يُولَدُ مِنْ أَعْمَاقِ الْمُعَانَاةِ، تَصْمُدُ فِي وَحْلٍ لا يَرَاهُ أَحَدٌ، فِي صَمْتٍ يَخْتَبِرُ حُدُودَ صَبْرِهَا، تَنْهَضُ بِتَلَاتِهَا نَحْوَ الشَّمْسِ مُشْرِقَةً، فَاتِنَةً، سَاحِرَةً… يَلْتَقِطُهَا الْجَمِيعُ بِعَيْنِ الإِعْجَابِ، وَلَكِنْ لا أَحَدَ يَعْرِفُ كَمِ ابْتَلَعَتْ مِنْ وَحْلٍ، كَمِ احْتَضَنَتْ صَمْتًا مُؤْلِمًا، كَمْ دَفَعَتْ ثَمَنَ أَنْ تَبْقَى نَقِيَّةً وَجَمِيلَةً، كُلُّ لَمْسَةِ إِعْجَابٍ هِيَ خُدْعَةٌ لِلْجَمَالِ، بَيْنَمَا فِي الدَّاخِلِ وُجَعٌ لا يَزُولُ، جُذُورُهَا تَغُوصُ عَمِيقًا فِي الطِّينِ تَتَغَذَّى مِنَ الْحُزْنِ لِتَظَلَّ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ، وَتُعَلِّمُنَا أَنَّ الْجَمَالَ لا يُفْهَمُ إِلَّا لِمَنْ يَرْغَبُ فِي رُؤْيَةِ الْحَقِيقَةِ، وَأَنَّ مَنْ يَرَاهُ يَرَاهُ فَقَطْ دُونَ أَنْ يَعْرِفَ الْمُعَانَاةَ الَّتِي اخْتَبَأَتْ خَلْفَ إِشْرَاقِهَا، لَوِ اسْتَطَاعَتْ زَهْرَةُ اللُّوتُسِ أَنْ تَتَكَلَّمَ لَقَالَتْ: “خُذُونِي مِثَالًا لَكُمْ فِي الْحَيَاةِ، فَمُعَانَاتِي صَقَلَتْ تَأَلُّقِي، وَعُمُقِي مَنَحَ جَمَالِي رُوحًا لا تَنْطَفِئُ وَنُورًا لا يَخْفُتُ، لِيَكُونَ دَرْسًا لِكُلِّ قَلْبٍ يَعِي مَعْنَى الصَّبْرِ وَالصُّمُودِ، اعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ وُجَعٍ، كُلَّ صَمْتٍ، وَكُلَّ سُقُوطٍ خَفِيٍّ هُوَ مَا مَنَحَنِي الْقُدْرَةَ عَلَى النُّهُوضِ، وَأَنَّ كُلَّ لَحْظَةِ أَلَمٍ هِيَ نَبْضَةٌ سِرِّيَّةٌ مِنْ قَلْبِي تَمْنَحُ الْحَيَاةَ أَلْوَانَهَا، اُنْظُرُوا إِلَيَّ، لا لأَزْهَارِي فَقَطْ، بَلْ لِتَجَاعِيدِ جُذُورِي الْمَغْمُورَةِ بِالْوَحْلِ، لِتَعْلَمُوا أَنَّ الْقُوَّةَ لا تُولَدُ مِنَ الرَّاحَةِ، وَأَنَّ الْجَمَالَ لا يَظْهَرُ إِلَّا لِمَنْ يَجْرُؤُ عَلَى مُوَاجَهَةِ الظُّلْمَةِ، أَنَا زَهْرَةُ اللُّوتُسِ… مُشْرِقَةٌ، لَكِنِّي عَمِيقَةٌ، صَامِتَةٌ، وَوُجَعِي سِرٌّ نُورِي، وَصَمْتِي رِسَالَةٌ لِكُلِّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَفْهَمَ مَعْنَى الْحَيَاةِ بِحَقٍّ.