مروة بلعزام… حين تصنع الفلسفة من الألم حبرًا ومن الخسارة ولادة جديدة
وُلدت مروة بلعزام في 10 أفريل 1997 بمدينة شلغوم العيد، ولاية ميلة، لتشق طريقها بخطى ثابتة بين الفكر والعاطفة، بين الفلسفة والحياة. هي أستاذة في الطور الثانوي لمادة الفلسفة، وخريجة جامعة عبد الحميد مهري قسنطينة 2، حيث تحصّلت على شهادة ماستر في الفلسفة الغربية المعاصرة. لكن وراء هذا المسار الأكاديمي قصة إنسانية ووجدانية تشهد على أن الكتابة لا تولد من فراغ، بل من وجعٍ يتحوّل إلى نورٍ داخليٍّ يقود صاحبه إلى الإبداع.
منذ طفولتها، كانت مروة مولعة بالمطالعة، تستهويها الكتب والقصص، وتبدع في التعبير الكتابي بأسلوب مميّز جعل معلميها يكتشفون مبكرًا وميض الموهبة الأدبية التي تسكنها. كانت خربشاتها الأولى في مفكرتها الصغيرة محاولةً للهروب من مشاعرٍ لم تجد لها مخرجًا سوى الورق. لكن المنعرج الحقيقي في حياتها كان فقدانها لصغيرتها “مرام”، ابنة أخيها، التي كانت أول حفيدة في العائلة. ذلك الفقدان هزّ وجدانها وأيقظ داخلها نار الكتابة، فبدأت تسكب حزنها في خواطرٍ كتبتها خفيةً، كأنها تحاور الغياب لتتصالح مع الحياة من جديد.
ورغم موهبتها، لم يكن الطريق سهلاً، إذ واجهت الرفض والتنمر من المجتمع الذي لم يتقبل أنثى تكتب عن الألم والمشاعر. فاختارت أن تكتب بالقلم الجاف، تخبئ حروفها عنهم لكنها لم تتخلَّ عن حلمها. في مرحلة الثانوية، تراجعت قليلًا عن الكتابة لتخوض صراعًا آخر: صراع الوصول إلى الجامعة. كانت تتمنى دراسة الأدب العربي، لكن القدر ساقها إلى الفلسفة، وهناك كان اللقاء الذي غيّر كل شيء.
في الجامعة، أعادت الكاتبة نبيلة عبودي الأمل إلى مروة، وشجعتها على العودة إلى الكتابة. ومع الفلسفة، وجدت نفسها من جديد، تكتب لتفهم، وتفكر لتعيش. تخرجت سنة 2020 بعلامة مشرفة (18/20)، وكانت الوحيدة في دفعتها التي ناقشت أطروحتها في حضور العائلة، في زمنٍ صعبٍ تزامن مع جائحة كورونا.
بعد التخرج، وضعت هدفًا واضحًا: أن تكتب وتُنشر. شاركت في أربعة كتب جماعية — ثلاثة ورقية وهي: من تربة الأوبال، حكايا من ورق، في غياهب الجب، وكتاب إلكتروني بعنوان أبانوس. ثم خاضت تجربة الطباعة الشخصية، لتصدر أول كتابٍ لها بعنوان “متاهتان” عن دار الأنيـس سنة 2024، وهو عمل يضم خواطر فلسفية وإنسانية من واقعٍ عايشته، يحمل عنوانًا غامضًا يعكس عمق فكرها وتأملها الوجودي.
وفي ماي 2025، واصلت مسيرتها بإصدار جديد في القصة القصيرة بعنوان “الصدق يلبس ثوب الخيانة”، لتؤكد أن تجربتها الأدبية آخذة في النضج والتنوع.
مروة لا تكتب فقط، بل تعلّم وتزرع الحلم في الآخرين. فهي أستاذة نشطة تقدم دروس دعم في الفلسفة لتلاميذ البكالوريا وكل الشعب، كما درست اللغة العربية للتلاميذ في مختلف الأطوار، مؤمنة بأن التعليم رسالة، وأن الكتابة امتداد لهذه الرسالة.
اشتغلت في عدد من المدارس الخاصة مثل: المنال، النوارس، المتميز، آفاق النهى، ABC School، الولاء، وأكاديمية منهل المعرفة. كما تنشط في جمعيات ثقافية، منها جمعية شلغوم العيد تقرأ، وتشارك في المنتديات والملتقيات الأدبية.
في عالمها، تلتقي الإنسانة بالفيلسوفة، والمعلمة بالكاتبة، والوجع بالإبداع.
تقول مروة بلعزام من خلال سيرتها وكتبها إن الكتابة ليست مهنة، بل خلاصٌ من صراعٍ داخلي طويل، وإن الحبر حين يمتزج بالألم يصنع فلسفة حياة.
هي لا تكتب لتُعجب أحدًا، بل لتستعيد ذاتها في كل كلمة، ولتؤكد أن الحلم مهما وُوجه بالرفض، يظل يولد من جديد، تمامًا كما وُلدت هي من رماد الفقدان إلى ضوء الكتابة.
بقلم: ناعم زينب جيهان