قصيدة: “لبنان… خُلودٌ ونغمةُ فيروز”
لبنان… خُلدُ الخلود، ومرفأُ الروح،
أنتَ الوطنُ الذي تحتضنُهُ الأغنياتُ قبل أن يولدَ الصباح،
لكَ في الحروفِ لونٌ أخضر،
وفي ذاكرةِ التاريخِ ظلّ شجرةِ أرزٍ لا يشيخ.
من صيدونَ تخرجُ حروفُكَ الأولى،
ومن جبيلٍ يُكتبُ الكتابُ الأبديّ،
ومن طبرجا ترفعُ البحرَ شراعًا،
ومن صورٍ تضربُ المجاديفُ طريقَ النور،
فتحملُكَ الريحُ إلى البعيدِ القريب،
إلى العالمِ كلّه، بوجهٍ مشرّعٍ للحبِّ والإنسانيّة.
لبنان…
أنتَ حلمُ العذارى،
أنتَ أنشودةُ التاريخ في تمّوز،
وبَصمةُ عشتروت على ضوءِ الصباح،
ووهجُ جبران في وجدانِ العاشقين.
أسطورةٌ تدحرجتْ حروفُها من عرشِ الشمس،
وتدلّتْ قطراتُها من القمر،
فصارتْ حقيقةً في جبلٍ ملهَم، وفي فكرٍ شعريٍّ خالد.
في واديك المقدّس، في “أفقا”، في قاديشا وجعيتا،
تتردّدُ أنغامُ الجمال، سمفونيّةٌ تعزفها الطبيعة،
تعلنُ أن هذا الوطنَ ليس أرضًا فحسب،
بل قيثارةٌ تعزفُ للحياة.
ومن بين أنفاسِ الجبال،
يأتي صوتُها… فيروز،
الذي لا يكلّ، لا يتعب، لا يصمت.
تغنّي مع الفجر، فتنهضُ الحقول،
وتفتحُ الشرفاتُ أبوابَها على دفءِ الأغاني.
تقولُ: «رح نرجع نتلاقى»…
فتبتسمُ صور، وتدمعُ صيدون،
ويهتزُّ قلبُ لبنان كما تهتزُّ أوراقُ الأرزِ عند أوّل نسمةِ هواء.
لبنان،
في نغمةِ فيروز يذوبُ الصمتُ،
ويصبحُ البحرُ راقصًا،
والجبالُ منصتةً لصوتٍ من ذهب،
والليلُ مبحراً على شراعٍ لا يعرفُ التعب.
فیلمون لحنُ الأزل
وأغنيةُ الحرية،
ومن جبالكَ فاضَ الفكرُ نورًا،
وفي تربتِك المقدّسة وُلدَت الحروفُ صلاةً للمعرفة.
منك انطلقَ عمالقةُ الروحِ والكلمة،
وحملتْ أغصانُ الأرزِ على أكتافها اللازوردَ والمرجانَ والأرجوان.
يا لبنان،
يا صنوَ الجمالِ في كتبِ الأنبياء،
يا بخورَ المحاريبِ في معابدِ النور،
يا أغنيةَ الأبد التي لا تنطفئ.
فيك تتجلّى فيروزُ، فيك يُكتبُ العشقُ والخلود،
وفيك يُرفَعُ الشراعُ الذي لا يكلّ،
يمضي نحو العالمِ حاملًا رسائلَ الحياة.
منكَ يبدأُ الصباح،
وفيكَ يختتمُ المساءُ حكاياتِه.
يا وطنًا يعلّمُ الدنيا معنى الجمال،
يا وطنًا كلّما تغنّت فيروز باسمه…
ازدادَ خلودًا، وازدادَ حبًّا، وازدادَ مجدًا.
پري قرداغي