كتبت الاستاذة زينب جفال
الشِّعر ذوقٌ وأناقة
ليس الشعرُ مجموعة أبياتٍ موزونة ولا كلماتٍ مقفّاة تُقال بتكلّف، بل هو حالةُ ذوقٍ رفيع تنبض في القلب قبل أن تتجسّد في اللغة. الشعر روحٌ تختار أهلها كما تختار الوردةُ النقيّةُ أرضًا صافية لتنبت فيها. فليس كل من كتب بيتًا صار شاعرًا، كما أنّ ليس كل من امتلك ثوبًا فخمًا عُدَّ أنيقًا. الشعر، في جوهره، أناقة روح قبل أن يكون أناقة لفظ.
يدخل الشعر إلى الإنسان من باب الحسّ، لا من باب القواعد والنحو. يعلّمه كيف يرى العالم بعين أخرى؛ يرى الألم جسرًا للمعنى، والفقد فرصةً لاكتشاف القلب، والحبّ مجرّةً تدور فيها الأرواح. الشعر لا يتغذّى على القوافي بل على المشاعر، ولا يعيش في صدور لغوية جافة، بل يسكن الأرواح الشفافة التي تُحسن الإصغاء للخفاء؛ لصوت الريح في النافذة، لدمعة مختبئة في عين أم، لابتسامة طفل تنمو رغم الفقر، لحكاية وطن لا يموت.
من يكتب الشعر لا يحتاج إلى صخب، بل يحتاج إلى صدق. يحتاج إلى تلك اللحظة التي يَحْسُمُ فيها صمته، حين تضيق اللغة العادية عن حمل ما يشعر به، فيلجأ إلى الشعر كما تلجأ الروح إلى صلاة خفية. الشعر ليس ادّعاءً بالعاطفة، بل شجاعة الاعتراف بما نخاف قوله.
ثمّة أناقة خاصة يتركها الشعر في صاحبه. أناقة لا تُشترى ولا تُكتسب بالتدريب وحده. إنّها سلوك شعوري يجعل صاحبه أكثر لطفًا، أقلّ خشونة، أصدق إحساسًا بالآخرين. الشاعر الحقيقي لا يجرح، لا يزدري، لا يتكبّر؛ لأن قلبه تعلّم في مدرسة الإحساس أن الجمال لا يقيم حيث القسوة.
الشعر تربية ذوق. يعلّم الإنسان أن يختار كلماته كما يختار العاشق وردةً لحبيبته؛ بعناية، بإخلاص، وبشغف. الشعر يجعل اللغة بيتًا نظيفًا، لا مكان فيه للفظ الجارح أو للكذب أو للزيف. وإذا كان بعض الناس يظنّون أن الشعر ترفٌ لغوي، فإن الحقيقة أنه ضرورة روحية؛ لأنه يعيد التوازن إلى أرواح أتعبها ضجيج العالم.
لهذا نقول: الشعر ذوق وأناقة، لأنه لا يصدر إلا من قلبٍ يحمل جمالًا، ويترك أثرًا من نور في أرواح الآخرين