في الذكرى السنوية لرحيله: الأستاذ الدكتور مصطفى محمود – رحلة العقل والقلب من الشك إلى اليقين
بقلم: الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي
E-mail: [email protected]
إهداء: إلى روح المفكر العملاق الأستاذ الدكتور مصطفى محمود، الذي أضاء بعقله وقلبه دروبًا لملايين العرب والمسلمين في رحلة البحث عن الحقيقة.
ملخص:يتناول هذا البحث المسيرة الفكرية والعلمية والأدبية للدكتور مصطفى محمود، ليس بوصفها إنتاجًا كميًا فحسب، بل بوصفها نموذجًا فريدًا للتنوير الشامل. يحاول الدراسة تقييم أثره في الحياة الفكرية والأدبية والعلمية والثقافية والسياسية، من خلال تحليل أبعاد مشروعه الذي جمع بين العلم والإيمان، والفلسفة والأدب، والفكر والممارسة.
المقدمة: في منهجية البحث وأهميته
تمر في هذه الأيام ذكرى رحيل أحد أبرز أعلام الفكر العربي والإسلامي في القرن العشرين، الدكتور مصطفى محمود (27 ديسمبر 1921 – 31 أكتوبر 2009). لا يهدف هذا المقال إلى مجرد استذكار شخصية راحلة، بل إلى محاولة فهم وتقييم نموذج فكري فريد، تجاوز التخصص الضيق ليشكل ظاهرة ثقافية شاملة. انطلقت رحلة الأستاذ الدكتور مصطفى محمود من سؤال الوجود واليقين، مارّة بمختبر الطب، وغرفات الأدب، وساحات الفلسفة، وصولاً إلى منصة الإعلام، وقبة المسجد، وميادين العمل الخيري. إن دراسة أثره تتطلب مقاربة متعددة الأبعاد، تلمس خيوط هذه الشبكة المعقدة التي نسجها طوال حياته، والتي كان محورها الأكبر هو “ربط العلم بالإيمان” كمنهج للفهم والتنوير.
التشكيل الفكري والمنهجية المعرفية
1.1. التكوين متعدد التخصصات:
لم يكن الدكتور مصطفى محمود مفكرًا تقليديًا، بل كان نموذجًا للمفكر الشامل. دراسة الطب منحته الدقة العلمية والمنهج التجريبي، بينما أمدّته قراءاته الفلسفية والأدبية بأدوات التحليل النقدي والتأمل الوجودي. هذا المزج بين المنهج العلمي الصارم والرؤية الفلسفية الشاملة هو ما شكل نواة شخصيته الفريدة.
1.2. من الشك إلى اليقين: الرحلة الفكرية المركزية:
تمثل رحلة الدكتور مصطفى محمود تحولاً دراماتيكيًا من مرحلة الشك الفلسفي، التي عبر عنها في كتبه المبكرة، إلى مرحلة اليقين الإيماني المستند إلى الأدلة العقلية والعلمية. لم يكن هذا التحول قفزةً غير مبررة، بل كان نتيجة رحلة عقلانية شاقة، جسدها في برنامجه التلفزيوني الأسطوري “العلم والإيمان”، حيث كان يحاول أن يجد في إعجاز العلم الحديث تأكيدًا للحقائق الدينية، مقدماً الإيمان ليس كمسألة تقليد، بل كقناعة عقلانية.
التأثير متعدد الأبعاد: تقييم الأثر
2.1. الأثر الفكري والديني:
يُعد الدكتور مصطفى محمود أحد أبرز رواد “التنوير الإسلامي” المعاصر. لم يكن خطابه موجّهًا للنخبة فقط، بل استطاع بفضل أسلوبه البسيط العميق، أن يصل إلى شرائح واسعة من الجمهور. قام بدورين رئيسيين:
• الدور الداخلي: تبسيط الفكر الديني وتنقيته من الشوائب والغلو، وعرضه بطريقة عصرية تتصالح مع العقل والعلم.
• الدور الخارجي: الدفاع عن الإسلام فكريًا ضد التيارات المادية (كالماركسية) وكشف محاولات تشويهه في الغرب، حيث رأى – بمبكرًا – أن الإسلام سيحل محل الشيوعية كـ “عدو جديد” للغرب بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.
2.2. الأثر العلمي والثقافي:
تمثل مساهمته في نشر الثقافة العلمية واحدة من أبرز إنجازاته. عبر “العلم والإيمان” ومؤلفاته العلمية، قدم الاكتشافات العلمية المعقدة بلغة مفهومة، مربطًا إياها دائمًا بالرؤية الكونية الإسلامية. لم يكن هدفه الترفيه العلمي، بل بناء “وعي علمي إيماني” يجعل المؤمن قادرًا على مواجهة تحديات العصر بثقة.
2.3. الأثر الأدبي والفني:
أثرى المكتبة العربية بأكثر من 90 كتابًا شملت الرواية والقصة القصيرة والمسرحية. كانت كتاباته الأدبية وسيلة أخرى للتعبير عن أفكاره الفلسفية والاجتماعية. ففي رواياته مثل “العنكبوت” و”رجل تحت الصفر”، نجد انشغاله بالأسئلة الوجودية ومحاولة كشف الغوامض النفسية والاجتماعية للإنسان.
2.4. الأثر الاجتماعي والسياسي:
لم يقتصر تأثير الدكتور مصطفى محمود على الجانب النظري، بل تجسد في ممارسات عملية:
• المشروع الاجتماعي: يمثله مسجده في الجيزة وما يتب
•
• عه من مستشفيات تخدم محدودي الدخل، وقوافل الرحمة، والمتحف الجيولوجي، والجمعية الفلكية. هذا المشروع حوّل الفكرة إلى فعل، والإيمان إلى رحمة عملية.
• الموقف السياسي: كان صوته مدويًا في الدفاع عن القضايا الإسلامية العالمية. كما يذكر الدكتور بكر إسماعيل، كان لمواقفه الحازمة تجاه مجزرتي البوسنة والهرسك وكوسوفا أثر بالغ، حيث كشف بوضوح عن وحشية الصرب وتآمر المجتمع الدولي، ونبه العرب والمسلمين من مخاطر التفرق والغفلة عن المخططات الاستعمارية الجديدة. كان ينظر إلى الصراع ليس كصراع عرقي، بل كجزء من حرب على الهوية الإسلامية.
نموذج للتقارب الحضاري: رؤية من داخل الحضارة الغربية
كما يلمح الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي في عنوان كتابه، قدم الأستاذ الدكتور مصطفى محمود نموذجًا للحوار مع الغرب من موقع القوة الفكرية وليس الدفاعية. من داخل “محيط الحضارة الغربية”، استطاع أن يفكك خطابها الإعلامي والسياسي، ويكشف تناقضاته، ويقدم رؤية نقدية من منظور إسلامي. جعل من قضايا المسلمين في البلقان قضية مركزية في خطابه، معتبرًا إياها امتدادًا لنفس السياسات الاستعمارية التي تستهدف العالم الإسلامي ككل.
شهادة حية: اللقاءات الشخصية وتشكيل رؤية مشتركة (شهادة الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي)
تمتد العلاقة بين الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي والدكتور مصطفى محمود لأبعاد تتجاوز الإعجاب الفكري إلى صداقة شخصية وتعاون مثمر، تُقدّم شهادة مباشرة على تأثير الأستاذ الدكتور مصطفى محمود في النخب الفكرية الإسلامية خارج الحدود المصرية. ويمكن تلخيص طبيعة هذه العلاقة على النحو التالي:
1. التأثير المسبق وعبور الحدود: لم تكن شخصية الدكتور مصطفى محمود مجهولة في ألبانيا وكوسوفا، بل كان لها حضور قوي. يذكر الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي: “سمعت عن الأستاذ الدكتور/ مصطفى محمود قبل مجيئي إلى مصر… عن طريق بعض المفكرين الإسلاميين البارزين في كوسوفا، والذين قام بعضهم بترجمة بعض كتبه إلى اللغة الألبانية.” هذا يوضح أن تأثير الدكتور محمود الفكري كان قد سبق وصول الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي ، مما يؤكد عالمية رسالته وقدرتها على اختراق الحواجز اللغوية والثقافية.
2. اللقاء الأول وانطباق الصورة على الأصل: عند وصول الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي إلى القاهرة، بادر بزيارة الدكتور محمود، ليجد تطابقًا نادرًا بين صورة المفكر العملاق في الذهن وحقيقته على الأرض: “وقمت على الفور بعمل زيارة لسيادته في منزله، ووجدته شخصية أكبر مما كنت أتصور حيث كان متواضعاً للغاية، وحسن الاستقبال. ” هذا اللقاء لم يكن لقاءً عابرًا، بل تحول إلى علاقة دائمة، جسدها تقديم الهدايا الفكرية (الكتب) كرمز للتواصل المعرفي.
3. جسر ثقافي واستمرار اللقاءات: أصبح الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي جسرًا يصل بين الدكتور مصطفى محمود والعالم الإسلامي، حيث يذكر: “وكل وفد إسلامي يأتي إلى مصر يطلب منى أن آخذه في زيارة إلى الأستاذ الدكتور مصطفى محمود. ” كما تطورت علاقتهما إلى شراكة فكرية حقيقية: “وفيما بعد التقينا كثيراً وتشاورنا وتناقشنا في الموضوعات، خاصة قضية البوسنة، وأخيراً قضية كوسوفا.”
4. شراكة فكرية وإعلامية: تجاوزت العلاقة نطاق الزيارات الاجتماعية إلى التعاون العملي، حيث كان الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي يجري حوارات معه وينشرها في وسائل الإعلام الكوسوفية: “وكنت ألتقي معه كمندوب وكممثل وآخذ رأيه في مجالات عديدة، وأجريت معه بعض الحوارات، ونشرتها في مجلات وصحف كوسوفا وألبانيا ومقدونيا الشمالية.” هذا يبرز دور الدكتور مصطفى محمود كمستشار فكري ومرجعية في القضايا المصيرية التي تهم العالم الإسلامي.
5. الحب والتقدير الشعبي: تختصر كلمات الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي المشاعر الجماعية لأبناء جلدته تجاه الدكتور محمود، فتقول: “ونحن سعداء بمعرفته وقراءة كتبه، وجميع الشعب الألباني يحبه من خلال كتاباته، ومواقفه القوية التي يساند بها المسلمين في شتى أنحاء العالم.” هذه الشهادة تثبت أن الدعم الذي قدمه الأستاذ الدكتور محمود للقضايا الإسلامية لم يكن مجرد موقف إعلامي، بل كان صدقًا شعرت به الجماهير المسلمة واقترن باسمه في وجدانها.
أقوال الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي عن الدكتور مصطفى محمود
1. في وصف شخصيته وأسلوبه:
• “أعجبني أسلوبه ببساطته، وقوة حجته وبيانه، وبعده عن الزخرف والتزويق. ”
• “هو رحالة دائم الترحال إلى المعرفة العلمية والدينية والفلسفية… إنه ربان يحاول اكتشاف المجهول. ”
• “عندما اقتربت منه ومن فكره وجدته شخصية أكبر مما كنت أتصور… متواضع للغاية، حسن الأخلاق قوى العارضة. ”
2. في تقييم فكره ومكانته:
• “ازددت يقيناً بأنه مفكر وعالم يحاول تبسيط العلوم بأسلوب سهل وميسر. ”
• “إنه مفكر وعالم يحاول تبسيط العلوم… وهو من قادة التنوير الإسلامي المعاصرين. ”
• “إنه شخصية كبيرة تتشوق دائماً إلى زيادة المعرفة العلمية والدينية والفلسفية. ”
3. في تأثير برنامج “العلم والإيمان”:
• “برنامجه التلفزيوني الشهير… الذي من خلاله يبسط العلم الحديث ويربطه بالإيمان مما جعل له ملايين العشاق. ”
4. في موقفه من القضايا السياسية والإسلامية:
• “على كل هذه الجبهات يقف مفكرنا الدكتور/ مصطفى محمود ليوضح معالم الطريق، ويبرز زوايا الصورة، وينبه إلى ضرورة إفاقة العرب والمسلمين. ”
• “عندما وقعت النكبة والفاجعة في كوسوفا… شد الدكتور/ مصطفى محمود مأزره وقام وتكلم بكلام قيم عميق بعيد الغور في السياسة. ”
• “ذكر فضيلته كلاماً يهز المشاعر ويلهبها بنار الغيرة على الإسلام والمسلمين. ”
5. في تقييم إرثه الشامل:
• “قدم في مجال الفكر والعلم تجارب خصبة لها تأثيرها بلا شك على أبناء جيله، وعلى الأجيال القادمة”
• “إننا نوجه جزيل الشكر والامتنان… لكل مفكر إسلامي يعمل على إنقاذ الأجيال القادمة… وإحياء الماضي من صدر الحاضر. ”
هذه الأقوال تظهر ليس فقط إعجاب الدكتور بكر إسماعيل بشخص الأستاذ الدكتور مصطفى محمود، بل أيضًا تقديره العميق لدوره كـ “مفكر تنويري” جمع بين العقل والقلب، والعلم والإيمان، والفكر والممارسة، ووقف بشجاعة في الدفاع عن قضايا الأمة.
إرث متجدد وتحديات مستمرة
رحل الأستاذ الدكتور مصطفى محمود جسديًا في 31 أكتوبر 2009، لكن إرثه الفكري لا يزال حيًا ينبض بالحياة. لقد نجح في تقديم نموذج للمثقف العضوي الذي يشارك في تشكيل وعي أمته فكريًا وعلميًا وأدبيًا واجتماعيًا وسياسيًا. كانت رسالته المركزية هي أن الإيمان لا يتناقض مع العقل، وأن العلم الحقيقي يقود إلى الله، وأن على المسلم أن يكون قويًا بعقيدته، واعيًا بعصره، فاعلاً في مجتمعه.
التحديات التي حذر منها – من تشويه لصورة الإسلام، ومحاولات تفكيك العالم العربي والإسلامي، وهجمة الأفكار المادية – لا تزال قائمة بل وتتفاقم. مما يجعل العودة إلى فكر الدكتور مصطفى محمود، بمنهجيته المتوازنة وخطابه التنويري، ضرورة ملحة للأجيال الجديدة التي تبحث عن يقين في زمن الاضطراب، وعن هوية في زمن العولمة، وعن فعل إيجابي في زمن التحديات.
بصمة الإسلام في أوروبا: تحليل رؤية الدكتور مصطفى محمود لدكتور بكر إسماعيل لكوسوفي كمشروع زعيم.
يُعدُّ المفكر الدكتور مصطفى محمود من أبرز العقول العربية التي جمعت بين العلم والأدب والفلسفة، مما يجعل شهادته في حق أي شخصية محطَّ اهتمام بالغ. وعندما تتجه هذه الشهادة لشخصية علمية ودينية وسياسية مثل الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي، فإنها تكتسب أهمية مضاعفة. لا يقدم الدكتور مصطفى محمود هنا مجرد ثناء عابراً، بل يقدم رؤية استراتيجية تحليلية، مختزلاً فيها أبعاد شخصية بكر إسماعيل الكوسوفي ومشروعه الحضاري في جمل مركزة تستحق الوقوف عندها وتفكيك مدلولاتها.
الفكرة المركزية للملخص
تكمن الفكرة المركزية في كلام الدكتور مصطفى محمود في تصويره للدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي ليس مجرد كعالم أو أكاديمي، بل كـ “مشروع زعيم كبير” و”مكافح عظيم”. هذه الرؤية تتجاوز الإنجازات الفردية إلى الدور التاريخي والجيوستراتيجي. محمود يربط بشكل وثيق بين كفاءة الكوسوفي الشخصية (“خبرة كاملة”) وبين حاجة منطقة البلقان (“كل ما يحتاجه هذا الجزء من العالم”)، ليؤكد أن هذه الشخصية هي الإجابة المناسبة لتحديات مرحلة تاريخية حاسمة، حيث يمثل كوسوفا “بصمة الإسلام في أوروبا”.
أبرز السمات الأسلوبية في كلام الدكتور مصطفى محمود
1. اللغة الاستراتيجية والرؤيوية: استخدام مصطلحات مثل “مشروع زعيم” و”المسألة البلقانية” يعطي النص بُعداً سياسياً وتخطيطياً، بعيداً عن اللغة الإنشائية المجردة. إنها لغة تحليل سياسي تعكس فكر صاحب “العنكبوت” و”المستحيل”.
2. التركيز الشديد والإيجاز: على عكس النص السابق الذي سرد تفاصيل شخصية الكوسوفي، فإن كلام مصطفى محمود جاء مكثفاً جداً، كل كلمة تحمل حمولة دلالية كبيرة. فهو يختزل سيرة كفاح وعلم في عبارات محورية.
3. الصياغة التشخيصية: شخصّن الدكتور محمود القضية في بكر إسماعيل الكوسوفي. فلم يقل “كوسوفا تحتاج لزعيم”، بل قال “بكر إسماعيل الكوسوفي هو مشروع ذلك الزعيم”. هذا يجعل الحل مرتبطاً بالشخصية القادرة على تنفيذه.
4. الربط الحضاري: العبارة الأكثر دلالة هي “بصمة الإسلام في أوروبا”. هذه العبارة ترفع من مستوى النقاش من المستوى المحلي أو الإقليمي إلى المستوى الحضاري العالمي. إنها تشير إلى دور كوسوفا كجسر وجسر ثقافي، وهو ما يحتاج إلى قيادة واعية.
5. النبرة التوقعية والتفاؤلية: استخدامه لكلمة “مشروع” يوحي بالإمكانات الكامنة والطاقة التي لم تُستغل بالكامل بعد، مما يعطي النص نبرة من التفاؤل والتطلع نحو المستقبل.
تقييم الأثر على مجالات الحياة المختلفة (من خلال عدسة الدكتور مصطفى محمود)
من خلال هذه الرؤية، يمكن تقييم أثر شخصية الكوسوفي المحتمل أو الفعلي على عدة مستويات:
• السياسي: التأثير هنا هو الأبرز. تصويره كـ “مشروع زعيم” و”مكافح عظيم في المسألة البلقانية” يضعه في قلب المعادلة السياسية. أثره يكون في تمثيله لقضية شعبه دولياً، والدفاع عن وجود المسلمين في أوروبا، وبناء دولة كوسوفا الحديثة على أسس متينة.
• الفكري والثقافي: خبرته الكاملة تجعله قادراً على صياغة خطاب فكري إسلامي معاصر مناسب للسياق الأوروبي، خطاب يجمع بين الأصالة والمواءمة مع الواقع الجديد، مما يثري الحوار الحضاري.
• الديني: كونه “بصمة الإسلام في أوروبا” يعني أن تأثيره الديني يتجاوز المساجد إلى تقديم نموذج للإسلام المعتدل، القادر على التعايش والإسهام في المجتمعات الغربية، مما يعيد صياغة الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين.
• العلمي والأدبي: بينما ركز الدكتور محمود على البعد السياسي، فإن الإشارة إلى “خبرته الكاملة” تضمنت على الأرجح علمه اللغوي والأدبي، مما يعني أن هذه المعارف لم تكن لغاية أكاديمية بحتة، بل هي أدوات في خدمة مشروعه الحضاري والسياسي الأكبر.
• الإعلامي: الخبرة الإعلامية هي السلاح الأهم لـ “المكافح”. فهي التي تمكنه من نقل صورة قضيته إلى العالم، ومواجهة الحملات المضادة، وتعبئة الرأي العام المحلي والدولي.
مكانته العلمية والفكرية وآراء الناس فيه (في إطار الرؤية الشاملة)
كلام الدكتور مصطفى محمود لا ينفي المكانة العلمية التفصيلية التي وردت في النص الأصلي (اللغوي البارع، الإعلامي المتفنن، الموسوعة المتحركة)، بل يضعها في إطارها الصحيح. فهو يرى أن هذه العلوم والمواهب المتعددة هي الرصيد الذي يؤهله لأن يكون “المشروع الزعيم” و”المكافح العظيم”. آراء الناس فيه التي تشهد بإمامته وحذقه ليست غاية في ذاتها، بل هي مؤشر على الجدارة والكفاءة التي رصدها محمود لقيادة المرحلة.
الخاتمة:
في تحليله العميق، لم يقدم الدكتور مصطفى محمود شهادة مجاملة، بل قدّم تشخيصاً استراتيجياً. لقد رأى في الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي تجسيداً للضرورة التاريخية؛ العالم المتمكن الذي تحوّل علمه وفكره إلى مشروع تحرر وطني وحضاري. إن ربط الدكتور مصطفى محمود بين الشخصية والموقع الجيوستراتيجي (“بصمة الإسلام في أوروبا”) هو خلاصة الرؤية الثاقبة. فهو لا يمدح رجلاً بعينه بقدر ما يشير إلى النموذج المطلوب لقيادة مجتمعات الأقليات المسلمة في ظل تحديات العصر، مما يجعل من هذه الكلمات القليلة مرجعاً لفهم دور النخبة المثقفة في مناطق الأزمات والتماس الحضاري.
قصيدة إهداء:
إلى روح الدكتور مصطفى محمود
بقلم: الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي
يا صاحبَ الفكرِ إذ يعلو بتأمُلِهِ
ويهتدي النورُ من أغوارِهِ العُلُوَا
يا مَن نَفَختَ بعِلمِ الكونِ أسئلَةً
تُنيرُ دربَ مَن استَبصَرْ، ومن سَألا
مضيتَ يا مصطفى… والعلمُ يشهَدُ أنْ
قد كنتَ بحرًا، إلى الغوّاصِ ما وصَلا
وقفتَ تَحمي قضيـةَ الشَّعبِ في ألمٍ
والشَّعبُ يشهدُ ما أعطيتَ، ما بذَلا
كوسوفا جاءتْكَ، قلبٌ نابضٌ أرقٌ
فكنتَ صدرًا لها في الظلمِ ما خذَلا
كنتَ الدليلَ إذا ضاعتْ مَرافِقُها
والضوءُ يَهدي إلى المعنى إذا انفصَلا
من بيتِكَ الحُلمُ قد أزهى معابِرَهُ
وفي حديثِكَ… كانتْ أمةٌ تُصغِي إلى الأمَلا
يا من حملتَ همومَ الناسِ في نبَضٍ
ما عاد يَحملهُ إلا الذي عقَلا
نمْ في سلامٍ، ففي التاريخِ ذاكرةٌ
تحفظُ مواقفَ من في الحقِّ ما بَدَلا
وسوف تبقى، وإن واراكَ مرقدُهُم
روحًا تُضيءُ دروبَ السائرينَ إذا زَلُّوا
“قصيدة الوفاء بين الفكر والوجدان: قراءة في قصيدة الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل في رثاء المفكر الدكتور مصطفى محمود”
مقدمة تحليلية
تأتي هذه القصيدة في سياق إنساني وفكري عميق يجمع بين الشاعر الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل، المثقف الكوسوفي الذي حمل قضايا بلاده سياسيًا وثقافيًا ودبلوماسيًا، وبين المفكر العربي الكبير الدكتور مصطفى محمود، أحد أبرز رموز الفكر الإسلامي المعاصر، الذي جمع بين العقلانية الروحية والبحث الفلسفي الوجودي.
ولأن العلاقة بينهما لم تكن سطحية أو بروتوكولية، بل قائمة على حوارات فكرية ممتدة واشتراك دقيق في الهمّ الإنساني وقضية الشعوب المستضعفة – وعلى رأسها قضية كوسوفا – فقد جاءت القصيدة شهادة وفاء واعتراف، قبل أن تكون مجرد رثاء شعري.
القصيدة تعيد تقديم الدكتور مصطفى محمود ليس فقط كفيلسوف وطبيب وكاتب، بل كصوتٍ أخلاقي وإنساني حمل همّ الأمة وقضاياها، وتجلّت هذه الصورة من خلال لغة شاعرية رصينة تكشف عن تجربة وجدانية عميقة.
الفكرة المركزية للقصيدة
الفكرة الرئيسة في القصيدة هي إبراز دور المفكر الحقيقي بوصفه حاملًا لرسالة إنسانية يتجاوز بها حدود المكان والعرق والانتماء القومي، ليصبح “ضميرًا للأمة”.
فالقصيدة تركز على:
• مكانة العلم والوعي في بناء الهوية الإنسانية.
• أهمية المثقف العضوي الذي لا يقف على عتبات الكتب، بل يتحرك في الواقع دفاعًا عن الشعوب المقهورة.
• العلاقة الإنسانية والوجدانية بين المفكرين، بوصفها علاقة تقوم على الاحترام والتنوير لا على المصلحة.
• تخليد الذاكرة الإنسانية للمواقف وليس للأعمار وحدها.
أبرز السمات الأسلوبية
الوصف السمة
تعتمد القصيدة على مفردات جزلة تنتمي إلى رصانة الشعر العربي الكلاسيكي، ولكن دون تكلف. اللغة الشعرية الفصيحة
يظهر انسجام بين البحر الشعري والمضمون، ما يمنح النص هدوءًا تأمليًا يناسب شخصية مصطفى محمود. الإيقاع الداخلي المنسجم
مثل تصوير الفكر بالنور، والإنسان بالمرفأ، والبيت بالفضاء الفكري، مما يجعل القصيدة ذات بعد صوفي معرفي. الصور البلاغية الرمزية
حضور ثنائية: العقل – الروح، العلم – الإيمان، الحياة – الخلود. التناص الروحي والفلسفي
استخدم الشاعر خطابًا مباشرًا للمفكر الفقيد، ما يمنح القصيدة حميمية وعلاقة شخصية صادقة. ضمير المخاطب
البعد المعرفي والفكري للقصيدة
القصيدة لا تكتفي برثاء شخصية، بل تؤسس لرؤية واضحة لدور المثقف:
• إعادة تعريف المثقف بأنه صاحب رسالة لا صاحب صيت.
• إحياء قيمة الالتزام الأخلاقي في الفكر، مقابل الفكر المنعزل عن قضايا الشعوب.
• تأكيد دور الفكر الإسلامي المعاصر في الدفاع عن القضايا العادلة.
التقييم الثقافي والديني والسياسي والدبلوماسي
أثر القصيدة البعد
تعيد القصيدة قراءة مصطفى محمود بوصفه صورة للمؤمن الباحث عن الحقيقة، لا الواعظ المكرّر للجاهز. الديني
تعزز قيمة الحوار الثقافي بين الشعوب، وتربط الفكر بالقضية الإنسانية. الثقافي
تبرز أهمية العلم حين يتكامل مع الأخلاق، والبحث حين ينفتح على الوجود. الفكري والعلمي
تكشف عن دور المثقف في نصرة الشعوب المستضعفة دون حسابات أيديولوجية أو حزبية. السياسي
تقدّم نموذجًا للعلاقات الثقافية الراقية بين العرب والبلقان، وتُظهر أن الدبلوماسية ليست إجراءات رسمية فقط، بل تواصل حضاري وإنساني. الدبلوماسي
خاتمة
تُعد هذه القصيدة وثيقة وفاء فريدة، لأنها لا تؤرخ لرحيل شخصية فكرية فحسب، بل تحفظ أثرًا حضاريًا وإنسانيًا شارك فيه مفكران من عالمين مختلفين جغرافياً، لكنهما متحدان في القيم والمبادئ.
إنها قصيدة تضع الدكتور مصطفى محمود في مكانه الطبيعي: فيلسوفًا في خدمة الإنسان، وتضع بكر إسماعيل في موقعه: شاهدًا ومساهِمًا في مشروع ثقافي ورسالي يتجاوز حدود الوطن.
وهكذا تتحول القصيدة من نص رثائي إلى وثيقة ثقافية ودبلوماسية تحفظ الذاكرة وتُعلي من قيمة الإنسان العالم.
المراجع:
1. إسماعيل، بكر. ” الأستاذ الدكتور/ مصطفى محمود ودوره البارز في خدمة قضية كوسوفا.”.
2. محمود، مصطفى. “رحلتي من الشك إلى اليقين”. دار المعارف، القاهرة.
3. محمود، مصطفى. “الإسلام السياسي والمعركة القادمة”.
4. محمود، مصطفى. “القرآن: محاولة لفهم عصري”.
5. حلقات برنامج “العلم والإيمان” – التلفزيون المصري.
كلمات مفتاحية: مصطفى محمود، بكر إسماعيل الكوسوفي، العلم والإيمان، الفكر الإسلامي، التنوير، الأدب والعلم، السياسة الإسلامية، البوسنة والهرسك، كوسوفا، الفلسفة العربية.
كاتب الدراسة:
السفير والممثل السابق لكوسوفا لدى بعض الدول العربية
عضو مجمع اللغة العربية – مراسل في مصر
عضو اتحاد الكتاب في كوسوفا ومصر
E-mail: [email protected]


















