الشاعرة غادة الحسيني: المثقف العضوي وتشكُّل المنجز الأدبي في المشهد الثقافي العربي
بقلم: الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي
E-mail: [email protected]
ملخص
تتناول هذه الدراسة السيرة والإنتاج الأدبي والفكري للشاعرة والكاتبة اللبنانية غادة الحسيني، بوصفها نموذجًا للمثقف العربي المعاصر متعدد الاهتمامات والانتماءات. تهدف إلى تتبع تشكل مشروعها الأدبي من خلال تحليل أبعاده المختلفة: السيرذاتية، والإبداعية، والفكرية، والتنظيمية. كما تسعى لتقييم أثر هذا المشروع في الحياة الفكرية والأدبية والثقافية، من خلال أدوارها الإدارية والنقدية والتواصلية، مع ختم الدراسة بتحليل تطبيقي لقصيدتها “كوسوفا… الجَمالُ” لتجسيد رؤيتها الفنية والإنسانية.
مقدمة:
شكّل المثقف العربي، على مر العصور، حجر الزاوية في تشكيل الوعي الجمعي وبناء المشاريع الفكرية والأدبية. وفي ظل تحولات العصر الراهن، برزت نماذج مثقفة متعددة المواهب والاهتمامات، تجمع بين الإبداع الفردي والتأطير المؤسسي، لتقدم رؤية شاملة للفعل الثقافي. تأتي الشاعرة والكاتبة اللبنانية غادة الحسيني نموذجًا فريدًا لهذا المثقف “العضوي” الذي لا ينفصل إنتاجه الأدبي عن أدواره التنظيمية والنقدية والإنسانية. لا تكتفي الحسيني بأن تكون صوتًا شعريًا متميزًا، بل تتخطى ذلك إلى فضاءات التوثيق والنقد والإدارة الثقافية والدبلوماسية الناعمة، مما يجعل من تجربتها مشروعًا ثقافيًا متكاملاً. تهدف هذه الدراسة إلى تتبع تشكل هذا المشروع متعدد الأبعاد، من خلال تحليل أطرها السيرذاتية، وإنجازاتها الإبداعية المتنوعة بين الشعر والسرد والدراسات، وصولاً إلى تقييم أثرها الفكري والتنظيمي في الحقل الثقافي العربي. كما تتوقف الدراسة مطولاً عند نموذج تطبيقي يجسّد رؤيتها، وهو قصيدتها “كوسوفا… الجَمالُ”، لتكشف عن كيف يحول الأدب عندها إلى جسر للتواصل الإنساني وفعل مقاومة بالجمال.
الفصل الأول: الإطار السيرذاتي والتكوين المعرفي
تمثل سيرة غادة إبراهيم الحسيني (من بيروت، لبنان) إطارًا مرجعيًا لفهم تعددية إنتاجها. فكونها متخصصة في “الهندسة الداخلية”، فإن هذا المنحى الهندسي يمنحها نظرة تركيبية ودقيقة، قد تنعكس على بناء نصوصها الشعرية والسردية، حيث يتجلى الاهتمام بالتفاصيل والبنية المحكمة والفضاء الداخلي للشخصيات والمشاعر. هذا التكوين المهني المختلف عن الحقل الأدبي التقليدي يضفي على تجربتها بعدًا تجديديًا، يجمع بين دقة العلم وروحانية الإبداع.
لم تأتِ شهرة الحسيني من فراغ، بل تأسست على مشاركة فاعلة في المؤسسات الأدبية، حيث تعد عضو اتحاد كتاب لبنان، مما يضعها في قلب الحراك الأدبي اللبناني. وعضويتها في رابطة الأدب الحديث تشير إلى انفتاحها على التيارات التجديدية في الأدب العربي. إلا أن الدور الأبرز يتمثل في كونها أمينة سر ملتقى الشعراء العرب، وهي موقع تنظيمية محورية جعلتها حلقة وصل في شبكة العلاقات الأدبية العربية، مما وسع من أثرها من الإبداع الفردي إلى التأثير المؤسسي.
الفصل الثاني: المنجز الإبداعي: تعدد الأجناس وتنوع المشاريع
يتميز إنتاج الحسيني بتنوعه الغني بين الشعر والقصة والدراسات النقدية والتوثيق، مما يشير إلى عقلية موسوعية منظمة.
1. الشعر: صوت الذات والوطن والأمة: يمثل الديوان الشعري العمود الفقري لإنتاجها. عناوين مثل “متعبُ وجه الوطن” و “رحيق العمر” و “الراحلون على بساط النور” تكشف عن اهتمامات مركزية: الهم الوطني (لبنان)، والتأمل الوجودي في الحياة والموت، والاحتفاء بالذاكرة والأرواح الراحلة. إنها شاعرة تنطلق من الذات لتعانق القضايا الجمعية.
2. السرد: رفيقة العمر وموسوعات القصة: مجموعتها القصصية “رفيقة العمر” تُظهر تمكنها من فن القصة، بينما مشاركتها في إعداد موسوعات مثل “محطات من الذاكرة” و “قصص عابرة للقارات” تؤكد على دورها كـ”مؤرشف” ومبادر لجمع وتوثيق الجهود السردية العربية، مما يعزز من دورها كراعية للأدب وليس فقط مبدعة.
3. الدراسات والنقد: حوارات وتراجم: يأتي كتاب “شعراء من لبنان (تراجم)” كدليل على اهتمامها بتوثيق الحركة الأدبية في بلدها. أما كتاب “ثورة الشعر (حوارات)” فيكشف عن محاولة جادة لفهم تحولات الشعر العربي من خلال حوار مباشر مع مبدعيه، مما يضعها في موقع الناقد والمحاور البصير.
الفصل الثالث: الأثر الفكري والأدبي: من الإبداع إلى التأطير النقدي
لا يمكن فصل أثر غادة الحسيني عن الأدوار الإدارية والتحريرية التي تلعبها. كونها مديرة تحرير مجلة وموقع “أزهار الحرف”، فهي تتحكم بمنصة إعلامية أدبية مهمة، تتيح لها تشكيل الذوق الأدبي، ورعاية المواهب الجديدة، وتوجيه الحركة النقدية. هذا الموقع الإعلامي يعزز من “السلطة الرمزية” التي تتمتع بها داخل الحقل الأدبي.
الأمر الأكثر أهمية هو حظوظها النقدية. تكرس حضورها النقدي من خلال الدراسات العديدة التي كتبها عنها الناقد المصري البارز ناصر رمضان عبد الحميد في كتب مثل “فقه الشعر” و “تغريد البانسوه” و “من هنا وهناك”. هذا الاهتمام النقدي من شخصية مرموقة مثل عبد الحميد لا يقتصر على تقديم نصوصها فقط، بل يمنحها شرعية ومكانة في خريطة الأدب العربي، ويحولها إلى “ظاهرة أدبية” قابلة للدراسة والتحليل.
الفصل الرابع: البعد الثقافي السياسي والدبلوماسي: الدبلوماسية الناعمة
يمثل “ملتقى الشعراء العرب” الذي تشغل أمينة سره، أداة فاعلة للدبلوماسية الثقافية. فمن خلال إصدارات الملتقى المشتركة والموسوعات التي تجمع مبدعين من مختلف الأقطار العربية (مثل “موسوعة من أزاهير الأدب”، “قصائد في رحاب القدس”)، تساهم الحسيني في بناء جسر ثقافي عربي – عربي. إنها تعمل على تعزيز “الهوية الثقافية العربية” المشتركة من خلال الأدب، متجاوزة الخلافات السياسية. هذا الدور التواصلي والتنسيقي هو شكل من أشكال “الدبلوماسية الناعمة” التي تستخدم الأدب كوسيلة للتقريب بين الشعوب والدفاع عن قضايا الأمة، كما في حالة القدس.
الفصل الخامس: البُعد الإنساني العالمي: قصيدة “كوسوفا… الجَمالُ” كجسر ثقافي بين العالم العربي وكوسوفا
كوسوفا… الجَمالُ
كوسوفا… أنوارُكِ تَزهو وتَشرُقُ
والفَجْرُ مِنْ وَجَناتِكِ يَتَألَّقُ
أرْضُ الثُّلوجِ وَدِفْءَ شَمْسٍ ساطِعٍ
فيكِ الصَّباحُ على الرُّبى يَتَوَرَّقُ
في سَهْلِكِ الخَضْراءِ يَرْقُصُ عاشِقٌ
وَالنَّهْرُ في عَطَشِ الدُّرُوبِ يُحَدِّقُ
مُدُنٌ على وَجَعِ الزَّمانِ حَكَتْ لَنا
أنَّ الحَضارَةَ لا تَموتُ وتُخْلَقُ
في صَخْرِكِ التّاريخُ يَنْطِقُ عِزَّةً
وَبِقَلْبِكِ الإيمـانُ لا يَتَفَرَّقُ
يا مَوْطِنَ الأبطالِ يا نَبْعَ الفِدى
فيكِ الشَّهادَةُ مَجْدُها يَتَأنَّقُ
حُرِّيَّةٌ تَمْشي بِغيرِ مُذَلَّةٍ
كَرَمًا وَعَزْمًا في المَدى يَتَدَفَّقُ
كوسوفا… فيكِ الحُلْمُ يَزْهو دائِمًا
وَالحُبُّ في صَدْري إلَيْكِ مُعَلَّقُ
في جَبَلِكِ العالي القَصائِدُ تَنْثَني
وَالفَنُ مِنْ رُوحِ الجَمالِ يُعَمَّقُ
أَنْتِ الَّتي سَكَنَ الفُؤادُ هَواؤُها
رَمْزُ الشَّجاعَةِ وَالمَحَبَّةِ تُشْرِقُ
كلمات تتجاوز الحدود: تحليل الأثر الشامل لقصيدة كوسوفا في الفكر والأدب والسياسة”
تُمثِّل قصيدة “كوسوفا… الجَمالُ” للشاعرة اللبنانية غادة الحسيني نموذجاً أدبياً متميزاً يجمع بين الوجدان الشعري والهم الإنساني والقضوي. تأتي القصيدة كتحية أدبية تخليداً لكوسوفا التي عانت من ويلات الصراع في التسعينيات، لتقدم رؤية جمالية تتعالى فوق جراح الماضي وتستشرف مستقبلاً مشرقاً. تبرز الشاعرة من خلال هذه القصيدة كصوت عربي يهتم بقضايا الأمم الأخرى، معبرة عن تضامن إنساني يتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية.
العنوان: دلالات الانزياح والجمع بين المتناقضات
يأتي العنوان “كوسوفا… الجَمالُ” مبتكراً في دلالته، حيث يجمع بين اسم جغرافي ارتبط بالصراع والحرب (كوسوفا) وكلمة “الجَمال” التي تحمل دلالات جمالية مثالية. هذا الانزياح الدلالي يخلق مفارقة عميقة تدفع القارئ للتساؤل: أي جمال هذا الذي تتحدث عنه الشاعرة في أرض عرفت المعاناة؟ الجواب يكمن في الرؤية التصالحية التي تقدمها القصيدة، حيث تتحول المعاناة إلى منبع للجمال والمعاني السامية.
الفكرة المركزية: الجمال المقاوم
تتمحور الفكرة الأساسية للقصيدة حول مفهوم “الجمال المقاوم” – ذلك الجمال الذي ينبع من رحم المعاناة، ويتولد من صلب الألم، ويصبح وسيلة للمقاومة والبقاء. فكوسوفا في القصيدة ليست مجرد أرض، بل هي فكرة مقاومة وجمال يتحدى الدمار. تقدم الشاعرة رؤية مفادها أن الجمال ليس ترفاً في أوقات السلام فحسب، بل هو سلاح وجودي في أوقات الحرب، وأداة لاستعادة الكرامة والإنسانية.
السمات الأسلوبية
. الانزياح الاستعاري
تمتاز القصيدة بانزياح استعاري مكثف، حيث تتحول كوسوفا إلى كائن حي ينبض بالحياة: “أنوارُكِ تَزهو وتَشرُقُ”، “الفَجْرُ مِنْ وَجَناتِكِ يَتَألَّقُ”. هذا الانزياح يخلق علاقة حميمة بين المتكلم والمكان، ويحول الجغرافيا إلى كيان عاطفي.
2. المزاوجة بين المتناقضات
تستخدم الشاعرة تقنية المزاوجة بين المتناقضات لإثراء النص دلالياً: “أرْضُ الثُّلوجِ وَدِفْءَ شَمْسٍ ساطِعٍ” – حيث يجمع البيت بين البرودة والدفء، مما يخلق صورة متوازنة تعكس تعقيد الواقع الإنساني.
3. التوازن الصوتي والإيقاعي
تمتلك القصيدة إيقاعاً موسيقياً متوازناً، مع استخدام مترنم للقوافي المتعاقبة التي تعكس تناغم الطبيعة التي تصفها. هذا التوازن يعكس فكرة التوازن التي تسعى القصيدة لترسيخها بين الألم والأمل.
4. الرمزية التاريخية
تتحول كوسوفا في القصيدة إلى رمز للحضارة الإنسانية المتجددة: “مُدُنٌ على وَجَعِ الزَّمانِ حَكَتْ لَنا/ أنَّ الحَضارَةَ لا تَموتُ وتُخْلَقُ”. هذه الرمزية ترفع من شأن المكان ليكون نموذجاً للإنسانية جمعاء.
الأبعاد التأثيرية للقصيدة
البعد الفكري
تقدم القصيدة رؤية فكرية عميقة حول مفهوم “الجمال المقاوم” كفلسفة وجودية، حيث يصبح الجمال وسيلة للمقاومة الوجودية في وجه الدمار والنسيان.
البعد الأدبي
تمثل القصيدة إضافة نوعية للأدب العربي المعاصر، من خلال توسيع دائرة اهتمامه ليشمل قضايا إنسانية تتجاوز الإطار المحلي، مما يثري الحساسية الأدبية العربية ويوسع آفاقها.
البعد الديني
تتجلى الأبعاد الدينية في التركيز على “الإيمان” كقوة موحدة: “وَبِقَلْبِكِ الإيمـانُ لا يَتَفَرَّقُ”. تقدم القصيدة رؤية للإيمان كحالة إنسانية جامعة تتجاوز الانقسامات الطائفية.
البعد الثقافي
تعمل القصيدة كجسر ثقافي بين العالم العربي وكوسوفا، مقدمة نموذجاً للحوار الحضاري القائم على التقدير المتبادل والاعتراف بالآخر.
البعد العلمي
يمكن قراءة القصيدة كدراسة حالة لسيكولوجيا التعافي ما بعد الصراع، وكيفية استخدام الرموز الجمالية في عملية إعادة البناء النفسي والمجتمعي.
البعد السياسي والدبلوماسي
تمثل القصيدة شكلاً من “الدبلوماسية الشعرية” التي تبني جسوراً بين الشعوب، وتقدم بديلاً عن الخطاب السياسي التقليدي القائم على المصالح.
البعد النضالي
تؤسس القصيدة لشكل جديد من النضال يقوم على “مقاومة الذاكرة” و”مقاومة النسيان”، حيث يصبح الحفاظ على الجمال والإبداع وسيلة للمقاومة الوجودية.
وأخيرًا، تمثل قصيدة “كوسوفا… الجَمالُ” لغادة الحسيني نموذجاً لأدب إنساني يتعالى على الحدود الضيقة، ويقدم رؤية جمالية تصلح أن تكون فلسفة للحياة في عالم مليء بالصراعات. تثبت القصيدة أن الأدب ليس مجرد تسجيل للواقع، بل هو إعادة خلقه، وليس مجرد تعبير عن الجمال، بل هو صناعة له في أصعب الظروف. من خلال هذه القصيدة، تقدم الحسيني أدباً لا يكتفي بالوصف، بل يشارك في صناعة واقع جديد، حيث يصبح الجمال سلاحاً ضد النسيان، والكلمة جسراً بين الشعوب.
تقييم الأثر الشامل للقصيدة
1. الأثر الفكري والأدبي
تشكل القصيدة إضافة نوعية للحركة الأدبية العربية من خلال توسيعها لدائرة الاهتمامات العربية لتشمل قضايا إنسانية عالمية. هذا التوسع يعكس نضجاً في الرؤية الفكرية العربية، وقدرة على تجاوز الإطار المحلي نحو آفاق إنسانية أوسع. كما تقدم القصيدة نموذجاً لأدب التعافي ما بعد الصراع، يمكن أن يكون مصدر إلهام للمجتمعات العربية التي تمر بظروف مشابهة.
2. الأثر الثقافي والديني
تعمل القصيدة كجسر ثقافي بين الحضارة العربية الإسلامية وكوسوفا ذات الأغلبية المسلمة، لكنها تقدم هذا الجسر بلغة إنسانية جامعة تتجاوز الانتماءات الدينية الضيقة. هذا النموذج من الحوار الثقافي يمثل إضافة مهمة في ظل محاولات صراع الحضارات، حيث تثبت القصيدة أن اللقاء الإنساني على أرض الجمال ممكن.
3. الأثر السياسي والدبلوماسي
تمثل القصيدة شكلاً من “القوة الناعمة” العربية، حيث تستخدم الأدب كوسيلة لبناء علاقات دولية قائمة على التقدير المتبادل بدلاً من المصالح. هذا النموذج من الدبلوماسية الثقافية يمكن أن يكون أكثر فعالية من الأساليب التقليدية في بناء جسور التفاهم بين الشعوب.
4. الأثر النضالي والعلمي
تقدم القصيدة نموذجاً لـ”النضال الجمالي” الذي يمكن أن يكون مصدر إلهام للمجتمعات التي تعاني من آثار الصراعات. كما تفتح الباب أمام دراسات أكاديمية حول دور الأدب والفن في عمليات التعافي وإعادة البناء ما بعد الصراع، سواء على المستوى النفسي الفردي أو الاجتماعي الجماعي.
ختاماً، يمكن اعتبار قصيدة “كوسوفا… الجَمالُ” مشروعاً ثقافياً متكاملاً يتجاوز كونه نصاً أدبياً، ليكون رؤية إنسانية شاملة تقدم الجمال كخيار وجودي ومشروع حياة في عالم يعاني من جراحات متعددة.
خاتمة:
ختامًا، تؤكد هذه الدراسة أن التجربة الأدبية والفكرية لغادة الحسيني تشكّلت كنسيج متكامل، يجمع بين دقة المهندس وروحانية الشاعرة، وبين حسّ المبدع الفرد وهمّ المؤسس الجماعي. لقد نجحت الحسيني، من خلال منجزها الشعري والسردي والنقدي، وفي ظل أدوارها المحورية في اتحاد كتاب لبنان وملتقى الشعراء العرب وإدارة تحرير “أزهار الحرف”، في اختراق الحواجز التقليدية بين الإبداع والتأطير، محققة تعددية نادرة في الأثر.
فلم يعد أثرها مقصورًا على القصيدة أو القصة، بل امتد ليشمل تشكيل ذائقة أدبية عبر منصاتها الإعلامية، وبناء جسور ثقافية عربية-عربية وعالمية عبر دبلوماسيتها الناعمة، وتوثيق حركة أدبية من خلال موسوعاتها وحواراتها. وقد مثلت قصيدتها “كوسوفا… الجَمالُ” تتويجًا لهذه الرؤية الشمولية، حيث تحول النص الأدبي إلى خطاب إنساني يتعالى على جراح التاريخ، ويؤسس لفلسفة “الجمال المقاوم” كخيار وجودي.
وعليه، يمكن القول إن غادة الحسيني قد قدمت نموذجًا للمثقف العربي المعاصر الذي لا ينفصل فكره عن فعله، ولا إبداعه عن مسؤوليته. إنها تذكرنا بأن دور المثقف يتجاوز الكتابة إلى الفعل المؤسسي، ويتخطى الهم المحلي إلى القضية الإنسانية الجامعة. وتبقى تجربتها ثرية بالمواضيع التي تفتح الباب لمزيد من الدراسات النقدية المتعمقة، سواء في تحليل نصوصها أو في تقييم الأثر المؤسسي والتنظيمي الذي تمارسه، مما يضعها في موقع متميز في مشهدنا الثقافي العربي المعاصر.
الكلمات المفتاحية:غادة الحسيني، الأدب اللبناني المعاصر، الشعر العربي، النقد الأدبي، الدبلوماسية الثقافية، ملتقى الشعراء العرب، تحليل النص.
كاتب الدراسة:
السفير والممثل السابق لكوسوفا لدى بعض الدول العربية
عضو مجمع اللغة العربية – مراسل في مصر
عضو اتحاد الكتاب في كوسوفا ومصر
E-mail: [email protected]
 
			 
		    


















