ما لم يقل
ما لم يقل…
ريحٌ تتسلل بين أطلال الغرف المهجورة،
يتنفس في الظلال،
يلمس وجوهنا حين نغلق العيون،
يزرع في صدورنا حكايات لم تولد بعد.
ما لم يقل…
مطر لم يهطل،
شجرة لم تزهر،
درب لم نسلكه،
قلم انكسر قبل أن يكتب،
وفم ابتلع الكلمات الحائرة.
ما لم يقل…
ينمو في الصمت كجذرٍ عميق،
يمتد في القلب بلا نهاية،
يرتجف بين الضلوع كطفلٍ وحيد في الظلام،
حنينٌ لم يجد حضنًا،
غضبٌ لم يجد صدى،
حبٌ لم يجد شفتين،
ألمٌ لا يرحم،
وفقدٌ يعرفنا نحن أنفسنا.
ما لم يقل…
ظلٌ يلاحقنا،
صدى يهمس في الغياب،
حلم يتلوى في النوم العميق،
ليخبرنا أننا أكثر من كلماتنا،
أكثر من صورنا على مرآة الحياة،
يحفر على جدران الذاكرة خطوطًا منحنية،
يرسم على وجه الليل مدنًا مهجورة،
ويتركنا نصف أحياء، نصف أشباح،
نراقب الصمت كما يراقبنا.
ما لم يقل…
هو أنت، أنا، نحن،
كل الحروف التي لم نجرؤ على نطقها،
كل الوعود التي تحطمت قبل أن تُقال،
كل الحب الذي لم يجد فمًا،
كل الألم الذي لم يجد كتفًا،
هو الصمت الذي يصرخ بين القلوب،
ظلٌ يمد أطرافه في الداخل،
ريحٌ تهب على أطلال العمر،
نهرٌ جف قبل أن يعرف اسمه.
ما لم يقل…
مدن مهجورة في أعماقنا،
بيوت لم نولد فيها،
شوارع لم نسلكها،
لقاءات لم تحصل،
نهايات لم نبلغها،
مرايا لم نعرف فيها وجوهنا،
أشباح كنا نحنها،
أسئلة بلا جواب.
ما لم يقل…
يبقى هناك، في ثنايا الليل،
في قلب الغياب،
في كل ابتسامة لم تُكمل،
في كل دمعة لم تُسكب،
في كل كلمة انتظرت أن تولد ثم ماتت قبل أن ترى النور.
ما لم يقل…
هو الحياة نفسها،
التي نعيشها بين الصمت والكلام،
بين الظلال والنور،
بين ما نريد أن نقول وما يختزن في الداخل،
يبقى صامتًا، عميقًا، خالدًا،
لكي نتذكر أننا أكثر مما يمكن أن نبوح به،
وأكثر مما نجرؤ على أن نعيشه…
ويبقى همس واحد، كلمة أخيرة…
ما لم يقل.
سعيد إبراهيم زعلوك



















