الشاعر حسن سلطان: تشكّل الشخصية المتعدّدة وأثرها في المشهدين الثقافي والسياسي المصري المعاصر
بقلم: الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي
E-mail: [email protected]
ملخص:
تسعى هذه الدراسة إلى تتبّع المسار المتعدّد الأبعاد للأديب حسن إبراهيم شرف سلطان (حسن سلطان)، بوصفه نموذجاً فريداً يجمع بين الإبداع الشعري، والفاعلية المجتمعية، والنشاط السياسي والدبلوماسي الاقتصادي. وتبحث الدراسة في كيفية تفاعل هذه الأبعاد لتشكّل هويته الثقافية المميزة، وتقيم أثرها في الحياة الفكرية والأدبية في مصر، لا سيما في محافظة الإسماعيلية وإقليم قناة السويس. تعتمد الدراسة على السيرة الذاتية للموضوع، وتحليل مضامينها لتقديم قراءة شاملة تظهر التكامل بين الأدب والحياة العامة في تجربته.
المقدمة:
تشكّل الشخصيات الثقافية التي تنجح في الجمع بين الإبداع الأدبي الخالص والمشاركة الفاعلة في الشأن العام العامود الفقري للحراك الثقافي الحيوي. وفي هذا الإطار، تبرز تجربة الشاعر والأديب حسن إبراهيم شرف سلطان (المولود 1962) كحالة دراسية ثرية، تتجاوز الإطار النصي للقصيدة إلى فضاءات المجتمع والسياسة والاقتصاد. لا تهدف هذه الورقة إلى مجرد رصد سيرة ذاتية، بل إلى تحليل البنى العميقة التي تشكّل منها مشروعه الثقافي الشامل، وقياس مدى تأثير هذا التكامل في بلورة خطابه الشعري والفكري، وفي تأثيره المباشر على المحيط الثقافي المصري.
الفصل الأول: السيرة الذاتية كمفتاح للقراءة – بين الصيدلة والسياسة
تُعد السيرة الذاتية لحسن سلطان خريطة طريق لفهم تكوينه المتعدد:
1. الجذور والتنشئة: نشأته في محافظة الشرقية وإقامته في الإسماعيلية منحته امتزاجاً بين ثقافة الريف المصري الأصيل وروح المدينة الحدودية المنفتحة على قناة السويس والعالم، وهو ما انعكس على موضوعاته الشعرية ورؤيته الثقافية.
2. التكوين الأكاديمي والمهني: حصوله على بكالوريوس الصيدلة (1985) بتقدير “جيد جداً” يشير إلى عقلية منهجية دقيقة، وهي صفة لا تنفصل عن إنتاجه الشعري الغزير والممنهج، كما يظهر في التزامه الصارم بحور الشعر المختلفة.
3. المسار السياسي والاجتماعي:
• شغله منصب مساعد آمين حزب حماة الوطن وترشحه للبرلمان (2015) يعكسان وعياً سياسياً ورغبة في التأثير المباشر في صنع القرار.
• رئاسته لشعبة الصيادلة بالغرفة التجارية وجمعية أبناء الشرقية تؤكد على حضوره كشخصية اقتصادية واجتماعية مؤثرة، قادرة على إدارة المؤسسات وتمثيل الفئات المهنية.
4. من أكاديميات عسكرية رفيعة، فضلاً عن مشاركته في مؤتمرات اقتصادية دولية (مع الصين وماليزيا والهند)، يضعانه في سياق النخبة المثقفة التي تمتلك أدوات فهم التعقيدات الاستراتيجية والدولية، مما يضفي بعداً عميقاً على رؤيته التي قد تظهر في شعره بشكل غير مباشر.
الفصل الثاني: المشروع الشعري – التأسيس النظري والمنجز التطبيقي
يتميز المشروع الشعري لحسن سلطان بالتنوع الشكلي والالتزام العروضي، مما يجعله ظاهرة تستحق الدراسة في زمن طغت فيه الشعرية الحرة.
1. الالتزام بالشكل التقليدي كاختيار جمالي: يُعد سلطان من أبرز المدافعين عن عمود الشعر وقواعده العروضية. يشهد على ذلك إصداراته التي يخصص كل منها لبحر عروضي محدد (“الوافر”، “المديد”، “البسيط”، إلخ). هذا الالتزام ليس جموداً، بل هو إحياء للتراث وإثبات لقدرة القصيدة العربية المعاصرة على التعبير بلغتها الأصيلة.
2. ثنائية الفصحى والعامية: إلى جانب دواوينه الفصيحة، أبدع سلطان في الشعر العامي، مما وسّع من دائرة متلقيه وأظهر قدرته على التعامل مع مستويين لغويين مختلفين، كلٌ بأدواته وجمالياته. دواوينه مثل “راح فين الضمير” و”أرقص كيكي” تعكس جانباً من هموم الإنسان المصري البسيط بلغته اليومية.
3. تنوع الموضوعات: تناولت قصائده موضوعات متعددة، من الغزل والعاطفة (“قمري أنا”)، إلى المدح النبوي والسيرة (“البيان في سيرة العدنان”، “نفحات من الهدى والنور”)، إلى التأمل الفلسفي والوجودي (“سهام الصمت”، “كروان الليل الحزين”)، مما يعكس رؤية كونية شاملة.
4. التفاعل مع الوسيط الإعلامي: تأليفه وإعداده لفوازير رمضان بالإذاعة يدل على فهمه لأهمية الوسائط الحديثة في نشر الثقافة والأدب، وعدم عزله للإبداع عن وسائل الاتصال الجماهيري.
الفصل الثالث: الأثر المؤسسي والقيادة الثقافية
لم يقتصر دور حسن سلطان على الإبداع الفردي، بل امتد ليشغل أدواراً قيادية في المؤسسات الثقافية:
• دوره في اتحاد كتاب مصر: من خلال مواقعه كعضو مجلس النقابة الفرعية، وسكرتيراً، ثم رئيساً لنوادي الأدب في الإسماعيلية، كان له دور محوري في تنشيط الحركة الأدبية، ورعاية المواهب الشابة، وتنظيم الفعاليات التي أصبحت محوراً للإشعاع الثقافي في المحافظة.
• دوره كمحاضر و محكم: كمحاضر مركزي في الهيئة العامة لقصور الثقافة ومحكم في مسابقات وزارتي الشباب والثقافة، ينتقل سلطان من موقع المبدع إلى موقع الناقد والموجّه، مما يضمن استمرار نقل المعرفة وتنمية الذوق الأدبي للأجيال الجديدة.
الفصل الرابع: التقييم الشامل للأثر والتأثير
يمكن تقييم أثر حسن سلطان متعدد الأبعاد على النحو التالي:
1. الأثر الأدبي والفكري: أثري المكتبة العربية بأكثر من عشرين ديواناً شعرياً تشكل مرجعاً في الالتزام بالعروض والخروج منه بوعي. اختيار تجربته موضوعاً لرسالة ماجستير (“الصورة الفنية في شعر حسن سلطان”) يمنحها الشرعية الأكاديمة ويجعلها محط اهتمام الدارسين.
2. الأثر الثقافي والاجتماعي: من خلال قيادته للمؤسسات الثقافية وأنشطته المجتمعية، نجح في خلق حالة من الحوار والتلاقح الفكري في محيطه، وجعل من الإسماعيلية نقطة ثقافية مضيئة.
3. الأثر السياسي والدبلوماسي: تجربته السياسية المباشرة ومشاركته في المؤتمرات الاقتصادية الدولية جعلت منه “مثقفاً عضواً” لا ينفصل عن هموم وطنه التنموية والسياسية. لعل هذه الخبرة تضيف عمقاً لرؤيته، حتى لو لم تكن مُصرحة مباشرة في شعره، فهي تشكل الخلفية الثقافية لوعيه.
4. الجوائز والتكريمات: حصوله على دروع التكريم من مؤسسات مرموقة (جامعة قناة السويس، الهيئة العامة لقصور الثقافة) وجائزة عالمية من إيران، كلها شهادات موضوعية على مكانته وتقدير دوره على مستويات محلية وإقليمية ودولية.
الفصل الخامس: قراءة في الأبعاد الجمالية والحضارية لقصيدة ‘كوسوفا.. في الصدر نبع’ للشاعر حسن سلطان”
لكوسوفا
لكوسوفا: لقدْ حنّتْ قلوبُ
لسحْرِ جمالِ إنْسٍ أسْتجيبُ
حماكِ اللهُ ،مدَّ جبالَ ألبٍ
تُحَصِّنُ ساكنًا فيها يجوبُ
وأنهارًا لتسْقيَ ساكنيها
حنانَ موَدّةٍ والقلبُ طيبُ
وجامعةً تنيرُ العقلَ علمًا
كشمْسٍ لمْ تغِبْ عنها الدروبُ
وعاصمةً بأوروبا لوعْيٍ
ومنْبرَ للسماحةِ لا يغيبُ
فيا قصْرَ المدينةِ أنتَ كنْزٌ
لكلِّ مُسالمٍ فيهِ نصيبُ
ويا قدْسَ الفرنْجةَ لا تُبالي
فنحنُ جنودُ سلمٍ لا نخيبُ
بريشتينا: هيَ الينْبوعُ يسْري
وروحي مِنْ حلاوَتِهِ تذوبُ
ويسقي كلَّ ظمْآنٍ حياةً
ولا يشْقى بساحتِها غريبُ
ألا ليْتَ الطّريقَ بكلِّ يُسْرٍ
فكُنْتُ لدعْوةٍ حتْمًا أُجيبُ
التحليل الأدبي النقدي:
قراءة في الأبعاد الجمالية والحضارية لقصيدة “‘لكوسوفا”
تقدّم قصيدة “كوسوفا.. في الصدر نبع” للشاعر حسن سلطان نموذجاً راقياً للشعر الإسلامي المعاصر الذي يزاوج بين الهم الجمالي والهم الإنساني. تتحول القصيدة من مجرد إهداء إلى ذلك البلد الأوروبي المسلم إلى خطاب حضاري يقدّم كوسوفا كمنارة للعلم والسماحة وصمود الهوية الإسلامية في قلب أوروبا. باستخدام بحر كامل موسيقي رصين، تنسج القصيدة لوحات من الصور الممزوجة بين جمال الطبيعة (جبال الألب، الأنهار) ورقِي الحضارة (الجامعة، العاصمة)، مؤكدةً على قيم التسامح والسلم، ومقدمةً صورة للإسلام المناقضة للصورة النمطية السائدة. القصيدة، في جوهرها، هي دعوة للتضامن الإنساني وبناء جسور التفاهم بين الحضارات.
العنوان ودلالاته
يحمل العنوان “لكوسوفا” دلالة الإهداء والتخصيص، مما يعكس ارتباط الشاعر العاطفي والروحي بهذه الأرض. استخدام أداة اللام “لـ” يشير إلى التملك المعنوي والتقدير الخاص، وكأن الشاعر يعلن أن كوسوفا تستحق هذا التكريم الأدبي. وهذا يضع القصيدة في إطار الرد الأدبي على المعاناة التي تعيشها المجتمعات الإسلامية في مناطق الصراع.
التحليل البنيوي والموضوعي
البنية الإيقاعية
تعتمد القصيدة على البحر الكامل المتقن، مما يعكس رصانة الشعر الكلاسيكي وأصالته. وهذا الاختيار يناسب طبيعة الموضوع الجاد الذي تتناوله القصيدة، حيث يوحي الإيقاع المنتظم بالثبات والاستمرارية، كرمز لصمود الشعب الكوسوفي.
الصورة الفنية
تمتزج الصور الطبيعية بالصور الحضارية في القصيدة، فجبال الألب وأنهارها تمثل الحماية والعطاء، بينما تمثل الجامعة والعاصمة المنارة الفكرية والحضارية. هذه الثنائية بين الطبيعي والحضاري تعكس رؤية الشاعر المتوازنة لكوسوفا كأرض تجمع بين جمال الطبيعة ورقى الحضارة.
الفكرة المركزية
تتمحور القصيدة حول تقدير كوسوفا كمنارة إسلامية في أوروبا، وبيان دورها الحضاري كجسر للتواصل بين العالم الإسلامي وأوروبا. تؤكد القصيدة على القيم الإسلامية في التسامح والعلم والسلم، مما يعكس صورة الإسلام الحضارية المناقضة للصورة النمطية السائدة في الغرب.
السمات الأسلوبية
اللغة الرصينة
تمتاز القصيدة بلغة شعرية رصينة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، مع استخدام مفردات تنتمي للحقل الديني والحضاري مثل “السماحة”، “المسالم”، “الوعي”.
الانزياحات الفنية
يستخدم الشاعر الانزياحات المجازية بشكل مكثف، كما في قوله “وروحي مِنْ حلاوَتِهِ تذوبُ” حيث يحول المدينة إلى ينبوع حلاوة تذوب فيه الروح، مما يعكس شدة التعلق العاطفي.
التوازي التركيبي
يظهر التوازي في بناء المقاطع الشعرية، حيث يتكرر نمط الوصف المسبوب بالدعاء، مما يعطي إيقاعاً داخلياً متماسكاً للقصيدة.
الأبعاد والتأثيرات
البعد الفكري
تقدم القصيدة رؤية فكرية تجمع بين الانتماء الإسلامي والوعي الحضاري، وتؤكد على دور العقل والعلم كأساس للنهضة.
البعد الديني
تظهر كوسوفا في القصيدة كحاضرة إسلامية تنشر قيم السماحة والتسامح، مما يعكس الصورة الحقيقية للإسلام المناقضة لصورة العنف.
البعد الثقافي
تمثل القصيدة محاولة لتعريف القارئ العربي بالتراث الثقافي والحضاري لكوسوفا، وتسليط الضوء على دورها كجسر ثقافي.
البعد السياسي والدبلوماسي
تتبنى القصيدة خطاباً سياسياً متوازناً يدعو للسلم والتعايش، مع التأكيد على الهوية الإسلامية لكوسوفا، مما يجعلها أداة دبلوماسية ناعمة.
البعد النضالي
رغم تركيزها على السلم، تحمل القصيدة بعداً نضالياً من خلال التأكيد على الثبات والصمود والهوية، مما يعزز الروح النضالية بطريقة سلمية.
وأخيراً، تمثل قصيدة “لكوسوفا” للشاعر حسن سلطان نموذجاً للأدب الهادف الذي يجمع بين الجمال الفني والعمق الفكري والالتزام القيمي. استطاعت القصيدة عبر أسلوبها الرصين وصورها المؤثرة أن تقدم رؤية متكاملة لكوسوفا كمنارة إسلامية في أوروبا، وأن تسهم في التعريف بقضيتها وإنسانيتها. تبقى هذه القصيدة شاهدة على قدرة الأدب على توثيق الهموم الإنسانية وبناء جسور التفاهم بين الحضارات.
الخاتمة
في الختام، تؤكد هذه الدراسة أن تجربة الأديب حسن سلطان تشكّل نسيجاً فريداً ومعقداً في المشهد الثقافي المصري المعاصر. لقد نجح سلطان، من خلال مساره متعدد الأبعاد، في تحطيم الصورة النمطية للمثقف المنعزل في برجه العاجي، مقدماً نموذجاً للمثقف العضوي الذي ينغمس في هموم مجتمعه ويتفاعل مع قضايا وطنه على المستويات كافة: الأدبية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية.
فمن ناحية، يظل سلطان شاعراً ملهماً يمتلك مشروعاً شعرياً واضح المعالم، قائماً على إحياء التراث العروضي دون جمود، والكتابة بكلتا اللهجتين الفصيحة والعامية، مما وسّع من قاعدة متلقيه وأثْرَى المكتبة العربية بعشرات الدواوين التي تتنقل بين العاطفة الصادقة والفكر العميق. ومن ناحية أخرى، لم يكن إبداعه منفصلاً عن واقعه، بل كان محركاً له وحصيلةً له في آنٍ معاً. فقد استثمر مكانته الأدبية ووعيه السياسي والاقتصادي المكتسب من مواقعه القيادية في الحزب والمجالس الاقتصادية والمؤتمرات الدولية، ليؤدي دوراً ريادياً في قيادة المؤسسات الثقافية كاتحاد كتاب مصر، ورعاية الأجيال الجديدة، وجعل محافظة الإسماعيلية نقطة إشعاع ثقافي فعال.
وتأتي قصيدته “كوسوفا” لتكون تتويجاً لهذا التكامل الفريد. فهي ليست مجرد قصيدة غزل في مكان، بل هي بيان حضاري يعكس رؤية الشاعر العالمة، والقادر على تحويل الهم القومي والإسلامي إلى عمل فني رصين، يجمع بين جماليات الصورة الشعرية وعمق الرؤية السياسية والدبلوماسية الناعمة. إنها تجسّد كيف يمكن للأدب أن يكون أداة للتواصل بين الشعوب والتعريف بقضاياها، وكيف أن خبرة الشاعر في المجال العام تضيف أبعاداً من العمق والوعي إلى خطابه الشعري.
وبذلك، فإن حسن سلطان ليس مجرد شاعر أو سياسي أو اقتصادي، بل هو “مشروع ثقافي متكامل”. إن دراسته تفتح الباب لفهم أعمق لأدوار المثقفين في المجتمعات العربية المعاصرة، وكيف أن هذا التكامل بين الإبداع والممارسة العملية هو الضامن الأكيد لخلق تأثير حقيقي ومستدام، ينتقل بالأدب من دائرة المتعة الجمالية إلى فضاء التأثير الفعلي في الواقع والمجتمع.
الكلمات المفتاحية: حسن سلطان – الشعر المصري المعاصر – الإسماعيلية – كوسوفا – الأدب والسياسة – بحور الشعر – اتحاد كتاب مصر – الدبلوماسية الاقتصادية.
كاتب الدراسة:
السفير والممثل السابق لكوسوفا لدى بعض الدول العربية
عضو مجمع اللغة العربية – مراسل في مصر
عضو اتحاد الكتاب في كوسوفا ومصر
E-mail: [email protected]
			
		    


















