الشاعرة مايا محمود يوسف: الفن كجسر بين الذات والكون
دراسة أكاديمية في أثر التجربة التشكيلية والشعرية على الحراك الثقافي والفكري العربي المعاصر
بقلم: الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي
E-mail: [email protected]
المقدمة
في زمن تتقاطع فيه الفنون وتتداخل فيه التعبيرات، تبرز تجربة الفنانة التشكيلية والشاعرة اللبنانية مايا محمود يوسف بوصفها نموذجًا فريدًا يجمع بين العمق القانوني، والرمزية التشكيلية، والتأمل الشعري. من لبنان إلى سلطنة عُمان، ومن المعارض الدولية إلى صفحات الشعر، تشكل مايا يوسف حالة ثقافية متكاملة، تستحق الوقوف عندها أكاديميًا وتحليليًا.
الفصل الأول: الخلفية الأكاديمية والتكوين الفني
رغم حصولها على بكالوريوس في القانون من لبنان، اختارت مايا يوسف أن تسلك طريق الفن، حيث خضعت لدورات متخصصة في الفنون التشكيلية تحت إشراف الفنان العالمي د. ناصر بالانجي في متحف مسقط. هذا التكوين الفني لم يكن مجرد تدريب تقني، بل كان تحولًا وجوديًا فتح أمامها آفاقًا لفهم الرمزية والتعبير البصري، مما انعكس لاحقًا في أعمالها التي تمزج بين الشكل والجوهر، وبين المادة والروح.
الفصل الثاني: الحضور الفني العالمي
شاركت مايا يوسف في معارض دولية مرموقة، منها:
• Silk Road Arts Festival – الصين
• KIAE Biennale – الهند
• ITSLIQUID International Art Exhibition – لندن
• Expometro – معرض عالمي في الأماكن العامة
• Affordable Art of Muscat – عُمان
• Cure8 Gallery – عُمان
هذا الحضور العالمي يعكس قدرة الفنانة على تمثيل الثقافة العربية في المحافل الدولية، ويمنحها دورًا دبلوماسيًا غير مباشر، حيث تتحول اللوحة إلى سفير بصري للهوية والروح.
الفصل الثالث: الرؤية الفنية والرمزية البصرية
تستوحي مايا يوسف أعمالها من العلاقة بين الذات والكون، وتسعى لخلق حوار بصري يتجاوز الشكل نحو الجوهر. تميل إلى الدمج بين الرمزية، التعبيرية، والتجريد، في رحلة بحث عن التوازن بين النور والظل، والواقع والحلم. ترى أن الفن هو صلاة داخلية وجسر يربط الإنسان بجمال الحياة وعمق الوجود، مما يجعل أعمالها ذات طابع فلسفي وروحاني، يلامس المتلقي في أعمق مستوياته النفسية.
الفصل الرابع: الشعر كامتداد للتشكيل
إلى جانب تجربتها التشكيلية، تتنفس مايا يوسف الشعر كوسيلة موازية للتعبير. صدر لها ديوان بعنوان “رقصة الغياب”، وهو عمل شعري يتسم بـ:
• الرمزية العميقة
• الصدق العاطفي
• التأمل الوجودي
• اللغة الرهيفة
تُعدّ عضوًا في ملتقى الشعراء العرب، وتنشر نصوصها في مجلة أزهار الحرف وصحيفة العراق الإخبارية، إضافة إلى منصات رقمية تهتم بالأدب الحديث. في شعرها، كما في فنها، تحاول ترجمة التجربة الإنسانية بلغة القلب، حيث يتحوّل الألم إلى ضوء، والصمت إلى موسيقى، والغياب إلى رقصة تفيض بالحياة.
الفصل الخامس: الأثر الثقافي والدبلوماسي
تُعد تجربة مايا يوسف نموذجًا للتكامل بين الفكر والفن، وبين الهوية والكونية. من خلال مشاركاتها الدولية، تساهم في نقل صورة راقية عن الثقافة العربية، وتُسهم في الحوار الحضاري العالمي. كما أن حضورها في المشهد الأدبي والتشكيلي يعزز من الوعي الجمالي والفلسفي في المجتمعات العربية، ويمنح المرأة العربية صوتًا بصريًا وشعريًا مؤثرًا.
الفصل السادس: كوسوفا: أنشودة الصمود
“تتجاوز قصيدة ‘كوسوفا’ حدود المكان والزمان، لتصبح أنشودة إنسانية تروي حكاية أرض تتعلم من ندى الألم دروس الحياة والغفران.”
“كوسوفا”
كوسوفا…
يا ابنةَ الجبال التي تحرسها الغيوم،
كم مرَّ عليكِ من فجرٍ يحمل الحنينَ في حقائبه،
ومن ليلٍ يُضيئه الأملُ حين تخفت الأصوات.
أراكِ في عيون الأطفال وعدًا لا يُكسر،
وفي صلوات الأمهات وطنًا لا يشيخ.
بين حجارة شوارعك القديمة
تعزف الذاكرة لحن الحياة،
وترقص الأرواح على نغم الصبر.
يا أرض الندى،
يا وطن الحكايات التي كُتبت بالدموع والضحكات،
منكِ يتعلّم القلب أن يقوم بعد كل سقوط،
وأن يغفر للعاصفة لأنها تمرّ كي تُطهّر الهواء.
سلامٌ عليكِ،
وعلى شمسكِ التي لا تعرف الغروب،
على نهرٍ يجري كأنه يحمل رسائل الشعراء العرب
إليكِ… حبًّا، واحترامًا، ووعدًا باللقاء.
تحليل قصيدة “كوسوفا” للشاعرة مايا يوسف
قصيدة “كوسوفا” للشاعرة والفنانة التشكيلية مايا يوسف تمثل نصاً شعرياً مكثفاً يجسد روح المكان وتاريخه من خلال لغة شعرية تعتمد على التصوير والتجسيد. تأتي القصيدة كتحية لأرض كوسوفا التي عانت من ويلات الحرب والصراع، لكنها تظل رمزاً للصمود والأمل. تكشف الشاعرة من خلال خلفيتها الفنية التشكيلية عن قدرة فائقة على تحويل المشاعر والأفكار إلى لوحات شعرية مؤثرة، تجمع بين البعد الإنساني والروح النضالية.
العنوان ودلالاته
يحمل العنوان “كوسوفا” دلالات متعددة، فهو يشير إلى المكان الجغرافي الذي شهد نضالاً طويلاً من أجل الاستقلال، لكنه في الوقت نفسه يحمل رمزية إنسانية تتجاوز الحدود الجغرافية. كوسوفا ليست مجرد مكان، بل هي فكرة عن الصمود والمقاومة والتعلق بالهوية. اختيار الشاعرة لهذا العنوان يعكس رغبتها في توثيق الذاكرة الجمعية وتخليد معاناة شعب عانى من التهميش والاضطهاد.
السمات الأسلوبية
1. الانزياح اللغوي والتجسيد
تمتاز القصيدة باستخدام الانزياح اللغوي بشكل مكثف، حيث تجسد الشاعرة المكان والطبيعة:
• “يا ابنةَ الجبال التي تحرسها الغيوم” (تأنيث الأرض وتجسيم الجبال)
• “فجرٍ يحمل الحنينَ في حقائبه” (تجسيد الفجر والحنين)
2. التوازن الصوتي والإيقاعي
تعتمد القصيدة على إيقاع داخلي هادئ يشبه الترتيل، مع استخدام التكرار الذي يعزز الوقع النفسي:
• تكرار نداء “كوسوفا” في البداية والنهاية
• استخدام الجناس في “يُضيئه الأملُ حين تخفت الأصوات”
3. الصورة الشعرية المتجددة
تتنوع الصور الشعرية بين البصرية والسمعية والحسية:
• الصورة البصرية: “أراكِ في عيون الأطفال وعدًا لا يُكسر”
• الصورة السمعية: “تعزف الذاكرة لحن الحياة”
• الصورة الحركية: “ترقص الأرواح على نغم الصبر”
4. الرمزية والدلالة
تستخدم الشاعرة الرموز بشكل مكثف:
• الجبال: ترمز للصمود والثبات
• الغيوم: ترمز للحماية والرحمة
• الندى: يرمز للنقاء والبدايات الجديدة
الفكرة المركزية
تدور الفكرة المركزية للقصيدة حول تجسيد كوسوفا ككائن حي ينبض بالحياة والذاكرة، يحمل في طياته تاريخاً من المعاناة والأمل في آن واحد. تقدم القصيدة رؤية مفادها أن الألم ليس نهاية، بل محطة لتجديد العزم والإصرار. تظهر هذه الفكرة جلياً في البيت: “منكِ يتعلّم القلب أن يقوم بعد كل سقوط، وأن يغفر للعاصفة لأنها تمرّ كي تُطهّر الهواء”.
الأبعاد والتأثيرات
البعد الفكري
تقدم القصيدة رؤية فلسفية للوجود الإنساني القائم على ثنائية المعاناة والأمل، وتؤكد على قدرة الإنسان على استخلاص الدروس من المحن.
البعد الأدبي
تمثل القصيدة نموذجاً للأدب المقاوم الذي يجمع بين الجمالية الفنية والعمق الإنساني، مقدمةً أسلوباً جديداً في توظيف الشعر لخدمة القضايا الإنسانية.
البعد الديني
تتجلى الروح الدينية في الإشارات المتعددة مثل “صلوات الأمهات” و”تطهّر الهواء”، مما يعكس رؤية تصوفية تربط بين الأرض والسماء.
البعد الثقافي
توثق القصيدة للذاكرة الثقافية المشتركة بين الشعوب، وتؤكد على وحدة المصير الإنساني من خلال الربط بين الثقافات المختلفة.
البعد السياسي والنضالي
تمثل القصيدة شكلاً من أشكال المقاومة الثقافية، حيث تخلد النضال الكوسوفي من خلال الصور الشعرية، وتؤكد على حق الشعوب في الحرية والكرامة.
البعد الدبلوماسي
يمكن النظر إلى القصيدة كرسالة سلام وتضامن مع شعب كوسوفا، تعبر عن تضامن إنساني يتجاوز الحدود السياسية.
تمثل قصيدة “كوسوفا” للشاعرة مايا يوسف نموذجاً متميزاً للشعر الهادف الذي يجمع بين الجمالية الفنية والعمق الإنساني. استطاعت الشاعرة من خلال خلفيتها التشكيلية أن ترسم بكلماتها لوحات شعرية مؤثرة، تخلد معاناة شعب وتؤكد على إنسانيته وكرامته. تبقى القصيدة شاهدة على قدرة الأدب في تجاوز حدود الزمان والمكان، ليصبح صوتاً للضمير الإنساني ورسالة تضامن مع كل المضطهدين في العالم.
الخاتمة
مايا محمود يوسف ليست مجرد فنانة أو شاعرة، بل هي حالة ثقافية متكاملة، تُجسّد عبر أعمالها التشكيلية والشعرية التحوّل الإنساني، والبحث عن المعنى، والانفتاح على الآخر. إن دراسة تجربتها تفتح الباب أمام فهم أعمق لدور الفن في تشكيل الوعي، وصياغة الجمال، وتفعيل الدبلوماسية الثقافية.
كاتب الدراسة:
السفير والممثل السابق لكوسوفا لدى بعض الدول العربية
عضو مجمع اللغة العربية – مراسل في مصر
عضو اتحاد الكتاب في كوسوفا ومصر
E-mail: [email protected]



















