رحيل فارس الشعر
رحل عن عالمنا اليوم الأربعاء 26 نوفمبر 2025 الشاعر الكبير أحمد عنتر مصطفى، عن عمر ناهز 81 عامًا، بعد صراع مع المرض امتد لسنوات عدة حتى استقر في أحد مستشفيات القاهرة حيث فاضت روحه إلى بارئها.
وُلد أحمد عنتر مصطفى في محافظة الجيزة عام 1944، وعمل باحثًا في إدارة النشر لدى الهيئة المصرية العامة للكتاب، كما تولّى إدارة متحف السيدة أم كلثوم، وشارك في العديد من المؤسسات الثقافية المصرية، مسهمًا بدور فاعل في الحراك الثقافي لأكثر من نصف قرن.
يُعدّ واحدًا من أهم شعراء قصيدة التفعيلة في مصر، وقد جاء شعره منحازًا للإنسان وقضاياه، وللوطن العربي في آماله وجراحه. أثرى المكتبة العربية بمجموعة واسعة من الدواوين التي شكّلت ملامح تجربته الشعرية، منها: مأساة الوجه الثالث، مرايا الزمن المعتم، أبجدية الموت والثورة، أغنيات دافئة على الجليد، حكاية المدائن المعلقة وغيرها.
كما كتب للأطفال بإيمان راسخ بأن الشعر رسالة إنسانية شاملة، فأصدر دواوين مثل: الوردة تسأل وفراشات الأسئلة وفوضى الزمن الجميل.
وفي منطقة النقد الأدبي، أصدر عددًا من الدراسات، ومن أبرزها كتابه شوقي الآخر، الذي تناول فيه سيرة أمير الشعراء وأدبه من منظور فني مختلف.
وقد صدرت له الأعمال الكاملة – شعر في ثلاثة أجزاء عن المجلس الأعلى للثقافة، تتويجًا لمشروعه الإبداعي الطويل.
لم تكن علاقتي به علاقة قارئ بشاعر فقط؛ فقد التقيته مرارًا في اتحاد كتاب مصر، وكان حضورًا إنسانيًا نبيلًا وراقياً. حدّثني أكثر من مرة عن تجربته ومعيشته في العراق خلال فترة من عمره، تلك المرحلة التي تركت بصمتها القومية العروبية واضحة في شعره ومواقفه. ولم يكن يخفي انتماءه الناصري العروبي، بل كان يؤمن بالوحدة والحرية والعدالة كقيم لا يمكن للشعر أن ينفصل عنها.
وفي إحدى الأمسيات الثقافية بـ نادي الصيد، آثرت الذاكرة أن تحفظ لنا مشهدًا يكشف شيئًا من عمق رؤيته الإبداعية؛ فقد قرأ شاعر شاب قصيدة عن أحمد شوقي، فإذا بشاعرنا الراحل يعلّق قائلاً:
> “إذا لم تكن القصيدة على مستوى شوقي أو أقوى، فلا داعي لها.”
يومها اعترضت — وربما كنت مخطئًا في اندفاعي — لكن مع مرور الوقت، ومع اتساع التجربة وزيادة الوعي بقيمة الشعر ومكانة الروّاد، أدركت أنه كان على حق؛ فالتجديد لا يعني الهدم، وكتابة القصيدة لا تعني مجرد الكتابة… إنما تعني الوعي بالتراث، وفهم السلالة الشعرية التي ننتمي إليها.
لقد مثّل أحمد عنتر مصطفى حالة شعرية ذات جذور راسخة في التراث العربي، وجناحين محلّقين نحو المستقبل. ظل صوته الشعري مشتبكًا مع الحياة بكل حزنها وفرحها، منحازًا للإنسان في همومه اليومية وفي آماله الكبرى.
وبرحيله تنطفئ منارة من منارات الشعر المصري، وتفقد الثقافة العربية واحدًا من الأصوات التي صاغت وعي أجيال كاملة بمعنى الكلمة، وبمعنى أن تكون شاعرًا في زمن تتناهب فيه القضايا والانكسارات.
سلامٌ على روحه، وعلى الكلمة التي تركها أمانة في أعناقنا…
ويموت الجسد… ويبقى الشعر ما بقيت الأرض والذاكرة.

















