“قراءة نقدية في أدلة النبوة – في كتاب الدكتور عيني سناني” بقلم أ. د. بكر إسماعيل الكوسوفي

“أدلة النبوة بين العقل والنص: قراءة نقدية في كتاب فضيلة الشيخ الدكتور عيني سناني”

بقلم: الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي
E-mail: [email protected]
ملخص السيرة الذاتية للدكتور عيني سناني
يُعَدّ الدكتور عيني سناني أحد الباحثين البارزين في الدراسات الإسلامية والفكر الديني المعاصر، وقد تميّز بإسهاماته العلمية في مجالات العقيدة، والدعوة، وتحليل الخطاب الديني، مع اهتمام خاص بالدفاع العقلاني عن الإسلام عبر مناهج بحثية تجمع بين الأصالة والتراث من جهة، والمعايير الأكاديمية الحديثة من جهة أخرى.
حصل الدكتور سناني على تعليمه الجامعي والعالي في العلوم الشرعية والدراسات الإسلامية، ثم واصل مسيرته البحثية من خلال إعداد دراسات معمّقة في قضايا الإيمان ووظائف النبوة والإعجاز، وما يتصل بها من حجج عقلية ونصية. وقد تولّى خلال مسيرته عدّة مهام أكاديمية وإشرافية، وأسهم في كتابة مجموعة من الأبحاث والمقالات العلمية المنشورة في مجلات محكّمة.
ويمثّل كتابه “أدلة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم” أحد أهم أعماله البحثية، حيث يقدّم فيه معالجة منهجية وعقلية لمسألة النبوة، مستندًا إلى حجج تستوعب أبعاد النص القرآني والسيرة النبوية والتاريخ الحضاري للإسلام، مع مقاربة تحليلية تتقاطع فيها الدلالة العقلية مع الشاهد التاريخي والبرهان الأخلاقي. وقد لقي هذا الكتاب اهتمامًا من الدارسين ومتخصصي الفكر الإسلامي لما فيه من جِدّة في العرض، وتنسيق في الاستدلالات، وتقريب علمي للموضوع إلى القارئ المعاصر.
ومن هنا تأتي أهمية هذا المقال الذي يهدف إلى تقديم تحليل نقدي أدبي لكتاب الدكتور عيني سناني، عبر الوقوف على منهجه في بناء الدليل، وأسلوبه في صياغة الخطاب، وآليات توظيفه للتراث والتاريخ، بالإضافة إلى تقييم بنية الكتاب لغةً وحجّةً وموضوعًا.
إنَّ تناول هذا العمل نقديًا لا يهدف إلى إبراز قيمته المعرفية فحسب، بل أيضًا إلى المساهمة في إغناء النقاش العلمي حول منهج الاستدلال في الفكر الإسلامي المعاصر، وإبراز الدور الذي يقدّمه الدكتور سناني في هذا المجال.
مقدمة
يقدم كتاب “أدلة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم” للدكتور عيني سناني محاولة متعمقة ومنظمة لعرض حجج متنوعة تثبت صحة الرسالة النبوية لمحمد (صلى الله عليه وسلم). هذا العمل، المكتوب باللغة الألبانية والمعد لجمهور واسع، من الباحثين إلى القراء العاديين، يخدم كمجموعة واسعة من الأدلة المقسمة إلى فئات مختلفة: روحية، فكرية، تاريخية وعلمية. في السياق الأكاديمي، لا يعد كتاب الدكتور سناني مجرد دفاع ديني، بل هو رسالة تهدف إلى إشراك العقل النقدي من خلال تقديم تحليل معبر بلغة العقل والمنطق. هذا الكتاب، بهيكله الواضح ومحتواه الغني، يساهم مساهمة كبيرة في الخطاب الفكري حول شخصية النبي محمد وعالمية رسالته.
هيكل العمل ومنهجيته
ينقسم الكتاب إلى فصول واضحة، يتناول كل منها جانبًا محددًا من أدلة النبوة. يبدأ الدكتور سناني بمقدمة يحدد فيها هدف العمل: الرد على الهجمات والانتقادات الموجهة ضد الإسلام من خلال تقديم حجج “لا يمكن دحضها”. وهو يهيكل الكتاب بطريقة تمكن القارئ من اتباع مسار منطقي، يبدأ من الأدلة في القرآن، مرورًا بالنبوءات في النصوص السابقة، وسلوك وشخصية النبي، والمعجزات المادية والروحية، وصولًا إلى التحديات البلاغية للقرآن ومحتواه العلمي.
من السمات الأسلوبية البارزة استخدام لغة واضحة، يسهل الوصول إليها، ولكنها في نفس الوقت دقيقة أكاديميًا. غالبًا ما يستخدم المؤلف اقتباسات مباشرة من القرآن والأحاديث والمصادر التاريخية، بما يعزز الحجة. بالإضافة إلى ذلك، فإنه يشير أيضًا إلى مصادر غير مسلمة، مثل المؤرخين والمستشرقين الغربيين (على سبيل المثال، توماس كارلايل، آر. بوسورث سميث)، لإظهار نهج متوازن ولدحض التحيزات المحتملة.
المحور الرئيسي: تعدد الأدلة وعالمية الرسالة
المحور الرئيسي للكتاب هو أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لا تستند إلى دليل واحد، بل إلى شبكة واسعة ومترابطة من البراهين تدحض أي ادعاء مضاد. يسلط الدكتور سناني الضوء على أربع مجالات رئيسية للأدلة:
1. القرآن كمعجزة: يخصص المؤلف اهتمامًا كبيرًا للبلاغة الفريدة للقرآن، والحفظ الذي لا تشوبه شائبة لمحتواه العلمي والتاريخي الذي يتجاوز معرفة زمن الوحي. يقدم التحدي القرآني لإنتاج شيء مماثل كحجة رئيسية ضد أولئك الذين يصفونه بأنه من صنع البشر.
2. شخصية وسلوك النبي: يتم تقديم النزاهة والأمانة (“الأمين”) والأخلاق العالية لمحمد صلى الله عليه وسلم، المعترف بها حتى من قبل أعدائه، كأدلة قوية على صدقه. سلوكه في المواقف الصعبة، وصبره على الاضطهاد وغياب أي مصلحة شخصية في السلطة أو الثروة يؤكد أنه لم يكن مدعيًا.
3. النبوءات والمعجزات: يلخص الكتاب سلسلة من النبوءات المحققة، من التحذيرات في التوراة والإنجيل عن مجيئه، إلى تنبؤاته الشخصية بأحداث مستقبلية. يتم تقديم المعجزات المادية (مثل انشقاق القمر) والمعنوية (مثل التأثير في قلوب الناس) كتدخلات إلهية مباشرة.
4. تصويبات القرآن وخضوع النبي: إحدى الحجج الأقوى في الكتاب هي عرض الحالات التي يصحح فيها القرآن النبي صلى الله عليه وسلم (كما في حالة عبد الله بن أم مكتوم أو تحريم العسل). وهذا يظهر بوضوح أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يكن مؤلف القرآن، حيث لا معنى لأن يدرج أحد انتقادات ضد نفسه في نص يدعي تمجيده.
تقييم الأثر في المجالات المختلفة
1. الحياة الفكرية والدينية: في السياق الألباني، حيث غالبًا ما يكون الخطاب الإسلامي مبسطًا أو مشوهًا، يخدم هذا الكتاب كمصدر قيم للتعمق الفكري. يقرب القارئ الألباني من الحجج اللاهوتية والتاريخية المعقدة بلغة مفهومة، مما يشجع على فهم أعمق وأكثر استنادًا إلى أسس للإسلام. بالنسبة للمجتمع المسلم، يعمل كأداة لتعزيز الإيمان ودفاع ضد الشكوك.
2. التاريخ والنبوة: من خلال تحليل النبوءات في النصوص المبكرة (التوراة، الإنجيل) ومقارنتها بحياة النبي، يقدم الدكتور سناني تحليلاً تاريخيًا مفصلاً يدعو إلى دراسة مقارنة للدين. هذه ليست ذات قيمة للمسلمين فحسب، بل أيضًا لباحثي الدين المقارن وتاريخ الأفكار.
3. الأدب والثقافة: العمل هو مثال على الكتابة الدفاعية الحديثة باللغة الألبانية. فهو يساعد في إثراء المفردات الدينية والفلسفية الألبانية، مساهمًا في تطوير خطاب محلي متطور حول القضايا الروحية والأخلاقية الأساسية. على نطاق أوسع، يعزز الهوية الثقافية للمسلمين الألبان من خلال ربطها بالتقاليد الفكرية الإسلامية الأوسع.
4. العلوم: الفصل الخاص بـ “الآيات القرآنية التي تقدم حقائق علمية” مهم بشكل خاص. من خلال تحديد الإشارات إلى توسع الكون، التطور الجنيني، دورة الماء، إلخ، يضع المؤلف القرآن كنص لا يتعارض مع العلم، بل يحتوي على مبادئ خالدة يؤكدها العلم. هذا يجيب على التحديات الحديثة التي ترى الدين كنقيض للعلم.
5. السياسة والدبلوماسية: ذكر علاقات النبي مع القوى الأخرى (البيزنطية، الفارسية، الحبشة) والتأكيد على سلوكه العادل والرحيم حتى مع الأعداء، يقدم نماذج قيمة للقيادة الأخلاقية والدبلوماسية والعدالة الاجتماعية. هذه الدروس لها أهمية دائمة ويمكن مناقشتها في سياقات حديثة للسياسة الدولية والحكم.
أبرز الأقوال والاستنتاجات التي استخلصها المؤلف الدكتور عيني سناني في كتابه “أدلة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم”، مع الحفاظ على صياغته الأصلية قدر الإمكان:
أقوال المؤلف الرئيسية حول أدلة النبوة:
1. حول منهج الكتاب والهدف:
• “مع هذا الكتاب نهدف إلى مخاطبة عقل ومنطق القارئ ليفحص بدون تحيز الأدلة والمعجزات العديدة على صدق الرسالة الإلهية لمحمد صلى الله عليه وسلم.”
• “لو أردنا أن نكتب عن كل تلك الأدلة والمعجزات التي تثبت أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله، لاحتاج الأمر إلى مجلدات كاملة.”
2. حول القرآن كمعجزة:
• “معجزة القرآن هي العلم والمعرفة الموجودة فيه.”
• “استحالة أن يصنع إنسان أمي معجزة في التعبير مثل القرآن، أمامه عجز جميع الناس والجن، دليل على أنه بوحي إلهي.”
• “لو كان محمد صلى الله عليه وسلم هو مؤلف القرآن، لكان من المنطقي أن ينسب فضل المؤلفوية لنفسه لكسب الشهرة أو السلطة.”
3. حول شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه:
• “محمد صلى الله عليه وسلم كان معروفًا قبل البعثة وبعدها بين أهل مكة بلقب ‘الصادق الأمين’.”
• “ذلك الذي لم يكذب أبدًا على الناس في أمور الدنيا، كيف يمكن أن يكذب على الله؟!”
• “الله يمنح النبوة فقط لأصدق الصادقين، وأي شخص يدعيها كذبًا هو أكذب الكاذبين.”
4. حول نبوءات الكتب السابقة:
• “التوراة والإنجيل يحتويان على نبوءات عن مجيء محمد صلى الله عليه وسلم، على الرغم من أن بعض هذه الرسائل قد حُرّفت أو مُحيت مع مرور الوقت.”
• “الجبل الذي ظهرت منه العظمة (في سفر التثنية) هو جبل فاران – جبل مكة. النبي الذي ظهر بعظمة من جبل فاران لا يمكن أن يكون سوى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.”
5. حول ردود فعل النبي على الوحي:
• “خوف محمد صلى الله عليه وسلم ورعشته عند استقبال الوحي الأول تظهر بوضوح أن الوحي لم يكن مسألة داخلية فردية قائمة على التنوير الروحي، بل كان قبولًا لواقع خارجي.”
• “لو كان محمدًا صلى الله عليه وسلم طامحًا لأن يصبح نبيًا، لعاد من الغار فرحًا مبتهجًا لأن ‘حلمه’ يتحقق، وليس خائفًا مرتعبًا.”
6. حول تصويبات القرآن للنبي:
• “لمن يقولون إن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو من كتب القرآن، نذكرهم: لو كان هو المؤلف لحذف من القرآن تلك الآيات التي قد تتعارض مع طموحه، لكنه لم يفعل ذلك.”
• “هذه التصويبات دليل على صدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي نقل هذه الآيات رغم أنها تصحح مساره، مما يظهر أن القرآن ليس كلامه، بل كلام الله.”
7. حول حب الصحابة للنبي:
• “احترام وحب وتضحية وولاء الصحابة لمحمد صلى الله عليه وسلم هو دليل وحجة قوية على أنهم آمنوا به كمرسل من الله.”
8. حول عالمية الرسالة منذ اليوم الأول:
• “منذ اليوم الأول الذي بلغ فيه محمد صلى الله عليه وسلم رسالة ربه، أعلن أنه مرسل إلى جميع الناس.”
• “كل هذا لا يمكن تحقيقه إلا من قبل نبي يثق تمامًا في حقيقة دعوته وفي نجاح هذه الدعوة من الله القادر على كل شيء.”
9. حول حفظ القرآن:
• “القرآن الكريم، بصفته الوحي الإلهي الأخير، ليس فقط كاملاً ومتكاملاً، بل بضمان إلهي، بقي محفوظًا من التحريف لأكثر من 1400 عام.”
• “لم يحفظ القرآن في أدراج، ولم تحفظه عائلات معينة أو فئات خاصة، بل حفظه الأمة الإسلامية.”
10. حول البعد العلمي في القرآن:
• “القرآن يحتوي على حقائق تم اكتشافها من قبل العلم فقط بعد قرون لاحقة.”
استنتاجاته الرئيسية:
 خلاصة شاملة: “أدلة صدق رسالة رسول الله متعددة ومقسمة إلى فئات رئيسية: أدلة روحية، فكرية، تاريخية وعلمية.”
 حول منهج الإقناع: “الأشخاص الموضوعيون الذين يستخدمون المنطق السليم ويفحصون الأدلة والبراهين بدون تحيز، يقتنعون بوضوح أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله وخاتم النبيين.”
 حول سبب نزول الآيات المصححة: “جميع التصويبات التي نلاحظها في القرآن، ليست لأنه كسر قاعدة ما، أو لأنه عارض حكمًا، بل لأنه كان أحيانًا يثقل كاهله أكثر مما كان مكلفًا به. كان يفعل ذلك من حبه اللامحدود لله وللدين الذي أنزله الله.”
الاستشهادات التي استخدمها المؤلف الدكتور عيني سناني في كتابه كما وردت حرفيًا، والتي استدل بها لدعم حجته بأن “حتى غير المسلمين المنصفين يعترفون بصفات النبي ﷺ وأخلاقه وتأثيره التاريخي”:
1. ر. بوسورث سميث (R. Bosworth Smith):
• كما ورد في الكتاب:
> “هو رجل لا يقرأ ولا يكتب، ولكنه أتى بكتاب هو: شعر، وقانون، وصلاة، وكتاب مقدس – جميعها في آن واحد.”
2. توماس كارلايل (Thomas Carlyle):
• كما ورد في الكتاب:
> “لا نجرؤ أن ننسى في أي حال من الأحوال أن محمدًا ﷺ لم يتلق في أي مدرسة تعليمًا، وما نسميه نحن تعليمًا لم يدرسه أبدًا.”
> “إنني أحبه لأنه لا يتكلف ولا يتصنع، إنه ابن الصحراء.”
3. جيمس هارت وجيمس ميتشنر (James H. Hart & James A. Michener):
• كما ورد في الكتاب بخصوص حادثة وفاة إبراهيم وكسوف الشمس:
> “في كل شيء، كان محمد ﷺ عقلانيًا بعمق. عندما توفي ابنه الحبيب إبراهيم، تبعه كسوف الشمس، وبدأ الناس يتحدثون أن الله يعبر بهذا عن حزنه. ما إن سمع محمد ﷺ هذا حتى قال: ‘إن كسوف الشمس والقمر ظاهرة طبيعية. لا علاقة لها بمولد أو موت أي إنسان’.”
4. إميل درمنغم (Emile Dermenghem):
• كما ورد في الكتاب:
> “… إبراهيم ابن محمد ﷺ من مارية القبطية، مات طفلاً، فحزن عليه كثيرًا ودفنه بنفسه وبكى، وتزامن يوم وفاته مع كسوف الشمس. قال المسلمون أن الشمس انكسفت لموته، لكن محمدًا ﷺ كان من أسمى الأرواح التي صححت هذا الاعتقاد. قال: ‘الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد’. إن قولاً مثل هذا لا يصدر عن شخص يدعي النبوة كذبًا.”
5. البروفيسور عبد الأحد داوودي (ديفيد بنيامين كلداني):
• كما استشهد به المؤلف حول نبوءات التوراة:
> “إذا لم تكن هذه الكلمات تشير إلى محمد ﷺ، فإنها تبقى غير محققة. فيسوع (عيسى عليه السلام) لم يقل قط أن الكلمة عنه كنبي. حتى تلاميذه كان لديهم نفس الرأي. كانوا ينتظرون المجيء الثاني ليسوع لتحقيق النبوة.”
6. ج. و. ليتنر (G. W. Leitner):
• كما ورد في الكتاب بخصوص تصحيح القرآن للنبي:
> “ذات مرة، صحح الله محمدًا ﷺ بوحي أنزله، لأنه أثناء حديثه مع بعض أشراف مكة، أعرض عن أعمى فقير ولم يجبه. ومع ذلك، فقد بلغ محمد ﷺ هذا الوحي، وهو شيء ما كان ليفعله بالتأكيد لو كان محتالاً، كما يعتقد بعض الجاهلين من بين المسيحيين.”
الاستنتاج الذي بناه المؤلف على هذه الشهادات:
استخدم الدكتور سناني هذه الاقتباسات كدليل عقلاني يثبت من خلاله أن:
1. الاعتراف بصدق النبي ﷺ لم يقتصر على المسلمين، بل شمل مفكرين ومؤرخين غربيين منصفين.
2. شهادات هؤلاء تعتبر حجة على المنكرين، لأنها صدرت عن أناس غير متحيزين للإسلام.
3. أقر هؤلاء المنصفون بأخلاق النبي ﷺ وعقلانيته ونزاهته وتأثيره التاريخي البالغ.
4. حتى في المواقف التي كان يمكن أن يستغلها النبي ﷺ لصالحه (كسوف الشمس لموت ابنه)، فإن تصرفه العقلاني والأخلاقي يثبت صدق نبوته.
هذه الاستشهادات كانت جزءًا من المنهج العقلاني الذي اتبعه المؤلف لإقناع القارئ الموضوعي بصدق نبوة محمد ﷺ.
خاتمة
كتاب “أدلة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم” للدكتور عيني سناني يمثّل إسهامًا بارزًا في الأدب الديني الإسلامي باللغة الألبانية، كما يشكّل إضافة نوعية إلى الدراسات الفكرية والإنسانية المعاصرة. فقد نجح المؤلف في بناء خطاب متوازن يجمع بين النص القرآني والحديث النبوي، وبين الشواهد التاريخية والعقلية، مع الاستفادة من شهادات غير المسلمين المنصفين الذين أقرّوا بصدق النبي ﷺ وأثره الحضاري.
إنّ استدعاء أقوال المستشرقين والمؤرخين الغربيين – مثل توماس كارلايل الذي وصف النبي بأنه “ابن الصحراء الصادق”، ور. بوسورث سميث الذي اعتبر القرآن كتابًا جامعًا للشعر والقانون والصلاة، وإميل درمنغم الذي أبرز عقلانية النبي في تصحيح الاعتقاد حول كسوف الشمس – يعكس منهجًا عقلانيًا يضيف قوة إلى الحجة الإسلامية، ويُظهر أن الاعتراف بصدق النبي لم يقتصر على المسلمين وحدهم، بل تجاوزه إلى مفكرين عالميين.
تكمن القيمة الكبرى لهذا العمل في قدرته على إشراك القارئ على مستويات متعددة: من تعزيز الإيمان البسيط، إلى فتح آفاق البحث الأكاديمي المقارن، ومن إثراء اللغة الدينية الألبانية، إلى تقديم نموذج للخطاب الإسلامي المعاصر الذي يخاطب العقل والوجدان معًا. وبذلك يستحق الكتاب أن يُقرأ بوصفه مرجعًا فكريًا وأدبيًا يساهم في ترسيخ مكانة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الوعي العالمي، ويؤكد أن رسالته كانت وما تزال دعوةً إلى العقلانية، الأخلاق، والإنسانية الجامعة.
كاتب الدراسة:
السفير والممثل السابق لكوسوفا لدى بعض الدول العربية
عضو مجمع اللغة العربية – مراسل في مصر
عضو اتحاد الكتاب في كوسوفا ومصر
E-mail: [email protected]