الهنيدي… الشاعر الذي أضاف نغمته السابعة عشرة إلى موسيقى العروض.
مجلة أزهار الحرف – لقاء مع الشاعر صالح بن سعيد الهنيدي
حوار: نازك الخنيزي
لأن القصيدة ما تزال قادرة على ابتكار إيقاعها… حتى بعد الفراهيدي.
هو شاعر يمشي في اللغة كما يمشي العابر في صحراء يعرف دروبها،
يلتقط من الذاكرة ما يشبه الضوء،
ويعيد إلى القصيدة القديمة دهشتها الأولى.
من القرية التي شكّلت وعيه المبكر،
إلى المنابر العالمية في باريس والقاهرة وتونس والسويد،
ظل صالح بن سعيد الهنيدي صوتًا يحمل تجربته بلا ادعاء،
ويضيف إلى موسيقى الشعر العربي نغمته السابعة عشرة:
البحر الهنيدي، ابتكارٌ جعل اسمه علامة فارقة في المشهد العروضي الحديث.
في هذا الحوار، نقترب من رؤيته للشعر، وللغة، ولتجربته الممتدة بين التراث والحداثة.
1. لنبدأ من البدايات…
كيف تشكّل صوتك الشعري الأول، وما الدافع الذي قادك إلى الكتابة؟
· أهلا وسهلا بكم مبدعي مجلة أزهار الحرف وشكرا لهذه الاستضافة الكريمة
بدأت كتابة الشعر في مرحلة مبكرة حين كان عمري الخامسة عشرة حيث تفتقت موهبتي الشعري في محيط شاعري وطبيعة خلابة أثرت بشكل مباشر على حسي الشاعري وكان لدراستي في المعهد العلمي أثر كبير في صقل هذه الموهبة وتنميتها .
2. أنت مبتكر البحر العروضي السابع عشر المعروف بالبحر الهنيدي.
كيف وُلد هذا البحر؟ وما الرؤية التي جعلتك تتجاوز البحور التقليدية نحو إيقاع جديد؟
· في العام 2015 كنت أترنم ببعض الأبيات الشعرية والتي أقول فيها :
أعذب الأماني ماطاب منها قلب
وغذاء روحي يرقى لله حب
لا تكن شحيحا ولا تعش ذليلا
أيها المعنى يأتي بالخير رب
فشعرت أنها على بحر مختلف وأن لها إيقاع ( فاعلن فعولن مستفعلن فعولن ) فنشرت تحديا للعروضيين عبر حسابي في الفيسبوك في حينها ووجد أصداء واسعة من التفاعل مابين مؤيد ومعارض حتى أن الأستاذ الدكتور عبد الرزاق الصاعدي قطع بأن هذه الأبيات على وزن جديد في الشعر العربي فأسميته البحر الهنيدي .. وفي اعتقادي أن الشعر العربي قابل للتطوير وإضافة بحور جديدة حتى لو كانت تخالف دوائر الفراهيدي رحمه الله
3. هل ابتكار وزن جديد ضرورة فنية يفرضها الزمن، أم مغامرة لا يُقدم عليها إلا شاعر متمكن من أدواته؟
* أعتقد أن الشعر العربي قابل للتطوير كما ذكرت وهذا من مميزاته ويعود إلى تمكن الشاعر من أدواته الشعرية ومعرفته بالعروض وهناك تجارب متنوعة بدأت بالموشحات وانتهت بشعر التفعيلة كلها تؤيد ما ذهبت إليه .
4. شاركتَ في مهرجانات عالمية تمثل المملكة في باريس والقاهرة وتونس والسويد وغيرها.
أيّ محطة منها تركت فيك الأثر الأعمق؟
· كل مهرجان شاركت فيه له أثر في تجربتي الشعرية حيث تلاقح الأفكار وتمازج الرؤى وتوسع الصداقات على مستوى الوطن العربي والعالمي .
5. تُرجمت أعمالك إلى عدة لغات.
كيف ترى علاقة الشعر العربي بالقارئ العالمي؟ وما الذي يتغيّر حين تعبر القصيدة حدود اللغة؟
لاشك أن تجربة الترجمة مرحلة مهمة في مسيرة الشاعر والأديب عموما فهي تنقل مشاعره وأحاسيسه إلى شريحة أكبر ولا يقتصر الأمر على لغته المحلية وهذا يعطيه حافزا أكبر لمواصلة الركض في ميدان الأدب
6. بين “مرافئ الوجدان” و”حين يغرد الأمل” و”دلائل الاستيقان”…
كيف تطور مشروعك الشعري عبر هذا المسار الطويل؟ وماذا بقي ثابتًا رغم التحولات؟
مشروعي الشعري تطور بشكل كبير جدا فبداياتي الشعرية كانت بدائية الصور والتراكيب ومع كثرة القراءات وتوسع الذهن بات بفضل الله لتجربتي الشعرية حضور مهم وبارز على مستوى واسع حيث حظيت قصائدي ودواويني بالعديد من القراءات النقدية والدراسات الأكاديمية .
7. لديك حضور بارز في الشعر الوطني والوجداني على حد سواء.
أيّ الأنماط الشعرية تشعر أنها الأقرب إلى قلبك؟
لكل حقل من حقول الشعر رونقه وبهاؤه وثماره التي أقطفها وأضعها في إنائها المناسب فتتشكل حديقة شعرية غناء من لون وثمر .
8. إلى جانب الشعر، لديك أعمال بحثية ومخطوطات في اللغة، وفي أدب الطفل، وفي ينابيع القرآن الكريم.
كيف تتوزع طاقتك بين هذه المسارات المختلفة؟
أعتقد أن الكاتب ملزم بالمحافظة على وقته وتنظيمه حتى يستطيع أن يوازن بين أنماط الكتابات المختلفة وهذا يتطلب قدرا كبير من المسؤولية حتى يستطيع أن ينجز مشاريعه الثقافية بشكل دائم
9. لك كتاب يتناول عوامل هدم اللغة العربية.
من وجهة نظرك: ما أبرز ما يهدد اللغة اليوم؟ وما الدور الذي يجب على المثقف فعله لحمايتها؟
هذا سؤال مهم ويثير شجونا لكل حريص على لغة القرآن الكريم ولن استطيع الاستفاضة في عوامل هدم اللغة العربية فقد تناولتها في الكتاب المخطوط وتناولها قبلي العديد من المهتمين بهذا الأمر ولكن مما يؤسف له أن لغتنا العربية باتت بين مطرقة الإهمال وسندان اللامبالاة بخطورة ذلك
10. شاركت في العديد من البرامج الإذاعية واللقاءات التلفزيونية والصحفية.
هل هناك سؤال تمنّيت لو طُرح عليك يومًا ولم يُطرح بعد؟
في الحقيقة أن كل هذه اللقاءات التي تشرفت بها سواء في هذه المجلة أو ماقبلها من حوارات جاءت على العديد مما يختلج في قلبي من أفكار
11. كيف ترى المشهد الشعري السعودي اليوم؟
وإلى أين يتجه في ظلّ الحراك الثقافي المتسارع؟
الشعر ديوان العرب منذ العصر الجاهلي وحتى يومنا هذا وكل المحاولات التي تريد سحب البساط من تحته باءت بالفشل بل إن الشعر تطور بشكل كبير وبات يشكل رؤية ثقافية مهمة لدى الشعراء السعوديين والشعراء العرب عموما أما الشعر السعودي فقد حجز مقعدا في مسرح الحياة الأدبية العربية
12. ما النص الذي تشعر أنه الأقرب إلى روحك؟
النص الذي لو قُدّر لك أن تقدّمه للعالم بوصفه خلاصة رحلتك، أيّ نص سيكون؟
النصوص الشعرية القريبة إلى قلبي كثيرة جدا ولكن أبرزها نص ( ياساكن الأعماق ) الذي كتبته شوقا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأرجو أن أنال به شفاعته يوم القيامة
13. باعتبارك شاعرًا يواكب الأجيال الجديدة…
ما رسالتك للشعراء الشباب الذين يدخلون عالم القصيدة اليوم؟
أنصح كل من يشعر بانثيال المشاعر في قلمه أن يطور موهبته الشعرية بكثرة القراءة في التجارب المختلفة ومن كل المدارس الشعرية
14. نختم بكلمة منك لقرّاء مجلة “أزهار الحرف”.
ماذا تحب أن تقول لهم؟
أشكر لكم هذه النافذة التي أطللت من خلالها على قراء أزهار الحرف الكرام ووجدت عبير مشاعركم وعبق وجدانكم
ولك شكري الخاص أستاذة نازك الخنيزي على ذوقك في اختيار الأسئلة واحتفائك بالأدباء .
15. شاركتَ في موسوعة “مدارات الحب” بنصّ ترك صداه الخاص لدى القارئ.
كيف تصف هذه التجربة؟ وماذا أضافت لك المشاركة في مشروع عربي يجمع أصواتًا شعرية من أنحاء متعددة؟
أكرمني الشاعر الكبير الأستاذ ناصر رمضان بنشر قصيدتي ( مجمع البحرين ) عبر موسوعة مدارات الحب وكانت فرصة مهمة للوصول إلى شريحة ملتقى الشعراء العرب فله شكري الوافر ومحبتي الدائمة
16. للملتقيات الأدبية دور بارز في جمع المبدعين وتبادل الخبرات، ولا سيما ملتقى الشعراء العرب الذي يرأسه الأديب ناصر رمضان عبد الحميد.
كيف ترى أثر هذه الملتقيات في المشهد الشعري؟ وما القيمة التي يضيفها ملتقى الشعراء العرب تحديدًا لمسيرة الشعراء وتجاربه
الملتقيات الأدبية عموما هي عبارة عن قنطرة تنقل التجارب والخبرات والمعارف والرؤى وأخيرا المشاعر إلى شرائح متعددة ومتنوعة من المهتمين بالأدب أما ملتقى الشعراء العرب فله دور بارز في ذلك واشكر كل القائمين عليه وفي مقدمتهم سعادة الأستاذ الأديب ناصر رمضان عبد الحميد وكل المسؤولين الكرام .
هكذا يوقّع الهنيدي حضوره،
لا بوصفه شاعرًا فقط،
بل بوصفه موسيقيًّا أعاد إلى البحور العربية نغمة كانت تنتظر من يكتشفها،
ويضعها في السلسلة… دون صخب، ودون ادعاء، ودون أن ينكسر الوزن.



















