لا زِلنا صِغارا
لا زِلنا صِغارا،
نُربّي على نوافذِنا قمرًا،
يُغنّي لنا عن ليلِ البدايات،
ويُهدهدُ أحلامَنا
حينَ تخافُ العيونُ من العتمة.
لا زِلنا صِغارا،
نخافُ من الظلِّ إن مَضى خلفَنا،
ونختبئُ في جيوبِ الحنين،
كأنَّ الماضي أُمٌّ
تضمُّنا كي لا نبكي أمامَ الغياب.
لا زِلنا صِغارا،
نحملُ في كفِّنا رائحةَ الطباشير،
وفي القلبِ فصلاً من المطر،
نكتبُ أسماءَنا على الهواءِ،
فنضحكُ إذ يُعيدُها النسيمُ
بصوتٍ يشبهُنا حينَ كنّا نقيّةً كالمساء.
لا زِلنا صِغارا،
نمشي على أطرافِ ظلِّنا
كي لا نوقظَ الحزنَ النائم،
ونُمسكُ بالضوءِ من أطرافِه
كي لا ينكسرَ في العيون.
لا زِلنا صِغارا،
لكنّنا نحملُ أرواحًا هرِمةً،
تُصلّي كي تظلَّ صِغارًا،
وتُخفي وراءَ ابتسامتِها
حنينًا يُشبهُ الخوفَ من الغد.
لا زِلنا صِغارا،
وكلّما حاولنا أن نبلغَ الضوءَ،
عادَ بنا الحنينُ إلى أوَّلِ القصيدة،
حيثُ كانَ اللهُ يُعلّمُنا
كيفَ نُحبُّ دونَ خوف،
وكيفَ نكبرُ دونَ أن نفقدَ الطفولة.
رُبّما لسنا صِغارًا كما نظن،
لكنَّ قلوبَنا لم تتعلّمِ القسوةَ بعد،
ما زالت تُصدّقُ الحكايات،
وتنتظرُ الغائبينَ على الأرصفةِ القديمة.
نحنُ الذينَ كبرنا خارجَ الوقت،
نحملُ طفولتَنا كتعويذةٍ من ضوء،
ونمشّي العمرَ على أطرافِ الذاكرة،
كي لا نكسرَ حلمًا،
ولا نُفزعَ نجمةً نائمة.
فدَعنا — إن طالَ الطريق —
نحتفِظُ بتلكَ البراءة،
نخبّئُها في صدورِنا
كآخرِ صلاةٍ للإنسانِ فينا،
ونمضي…
كما لو أنَّا
ما زِلنا صِغارًا.
سعيد إبراهيم زعلوك


















