الأسلوب الومضي ( الأفوريزم ) في نص أحمد النظامي
بقلم أ/فيروز مخول
نحن أمام نصٍّ يقوم على ومضات شعرية مكثّفة، تتكئ على الأسلوب الومضي (الأفوريزم)، وتشتغل على المفارقة والتهكّم والجرح الإنساني.
يتحرك النص في منطقة بين الشعر الحديث والنثر الرمزي، ويستخدم لغة مشحونة بالصور والانزياح والدلالة المراوغة.
في المقاطع (1) و(2)، يتجاوز الشاعر الفقر بوصفه حالة اقتصادية، ليجعله وحشًا يفتح شدقيه، وقوة ترفض حتى “الانضمام الرسمي” إليها، في مفارقة ساخرة:
«وللمرة الألف يرفض الفقر طلب انضمامك إلى السلك الدبلوماسي للفقراء»
هذه الصورة تُحوّل الفقر إلى جهاز بيروقراطي، بينما الإنسان أفقر من أن يقبل قبوله.
نجد في النص سخرية سوداء من الوجود
النص يعالج الوجود بنبرة تهكميّة مؤلمة:
«تلقيت برقية عزاء لخروجي من بطن أمي»
هنا تتجلى فكرة الخسارة الأولى: الولادة نفسها.
الضحك مبني على الألم، واللغة قاسية بقدر ما هي مرحة.
وفي هذا النص تم استدعاء التراث وصدامه مع العصر
المقاطع (4) و(5) تستحضر أسماء من الشعر الجاهلي، لكن تُسقِطها على زمن الفيسبوك والبروفات، في مشهد عبثي يؤكد الانفصال بين الماضي النقي والواقع الملوث.
هذا التناص يخلق توازياً بين العراقة والابتذال.
ونجد العلاقة المربكة بين الشاعر وقصيدته
«ابتعدي عني قليلاً؛ ريثما أتحرر مني»
القصيدة هنا ليست نصًا، بل سجنًا داخليًا، والشاعر يريد أن يتحرر من ذاته قبل أن يتحرر من قصيدته.
هذه من أجمل لقطات النص من حيث العمق النفسي.
في المقطع (7)، هناك نزعة جلد الذات، ولكن عبر مفارقة ساخرة:
«حين تناولت مجموعة أصدقاء منتهية الصلاحية»
يتحوّل البشر إلى منتجات، وتنتهي صلاحيتهم حين يخونون أو يتبدلون.
النص مليء بصور غير مألوفة:
«تورّم جفن المدى»
«احترقت أصابع الإسفلت»
هذه صور تقوم على تشخيص المجرّد وتجسيد غير الحي، ما يمنح النص طاقة تخييلية كبيرة.
النص كله مزيج من:
سخرية مرة
حكمة مبطنة
انكسار وجودي
نزعة تمرّد
لغة شاعر يكتب من الحافة
خلاصة القول
النص قوي في صورته الشعرية، ويعتمد على ومضات مكثفة تفتح مساحات واسعة للتأويل. لغته مشاغبة، متمرّدة، تحمل نبرة شاعرٍ يراقب ذاته والواقع بعين ساخرة ومتألمة في آن.



















