الدهشة الفلسفية في شذرة حنان اليوسفي: من خسارة الحب إلى خلوده في الشعر بقلم /محمد المروزقي*
النص:
«أتوشّح بالأبيض وأنا في طريقي إليك،
أجلس على عتبة الشعر،
وأتنفّس عشقي المفقود فيك!»
القراءة الفلسفية
تكمن الدهشة الفلسفية في هذا النص في قدرته على تحويل تجربة إنسانية شديدة الخصوصية—هي فقدان الحب—إلى حالة تأملية تتجاوز الوجدان الشخصي نحو أفق رمزي وروحي واسع. فالشاعرة تتحرك داخل فضاء شعري يقوم على ثنائية الحضور والغياب، الحياة والموت، العزاء والبعث، وتعيد صياغة الألم في صورة أقرب إلى التجلي الإبداعي.
الأبيض في الشذرة ليس لونًا فحسب، بل رمز مركّب يتداخل فيه النقاء مع الحداد، والنهاية مع البداية؛ إنه العبور من حالة إلى أخرى. حين تقول: «أتوشّح بالأبيض وأنا في طريقي إليك» فهي تؤسس لرحلة يمكن قراءتها على مستويات متعددة:
رحلة جسدية نحو محبوب غائب،
أو روحية نحو ذكرى بدأت تسكن مقام القداسة،
أو رحلة ولادة جديدة من رماد الفقد، يتجدد فيها الحب عبر المعرفة والألم.
عتبة الشعر: منطقة حدودية
قولها: «أجلس على عتبة الشعر» يفتح بابًا فلسفيًا مهمًا. فـ”العتبة” هي منطقة وسطى، مكان يربط بين عالمين:
عالم الواقع المثقل بالفقد،
وعالم الخيال الذي يعيد تشكيل الذاكرة ويحوّل الألم إلى جمال.
إنها نقطة تماس بين التجربة الحسية والمعنى المتعالي، حيث تتخلق اللغة بوصفها ملاذًا ووساطة. الشعر هنا ليس منفذًا للهروب، بل فضاءً لإعادة بناء الذات وتثبيت الوجود من جديد.
التنفس كإحياء للحب
في قولها: «وأتنفّس عشقي المفقود فيك» نواجه فعلًا جوهريًا في الفلسفة القديمة والحداثية معًا:
النَّفَس = الحياة.
والتنفس هنا ليس حركة بيولوجية، بل فعل إلهام يبعث الحب من جديد في جسد اللغة. إنها لا تتذكّر الحب، بل تتنفسه؛ أي تجعله معادلًا للوجود نفسه.
الحب المفقود يتحول بذلك من جرح إلى جوهر، ومن غياب إلى حضور، ومن ذكرى إلى نفس مشترك بين الشاعرة والمحبوب، كأنها تمنح الغائب حياة أخرى، لا في الزمن الواقعي، بل في الزمن الشعري.
الاتحاد المتعالي وتحويل الخسارة
يتشكل هنا ما يمكن تسميته الاتحاد المتسامي:
فالشاعرة لا ترثي الحب المفقود، بل تعيد خلقه من خلال الشعر. إن فعل الكتابة يصبح نوعًا من الكيمياء الروحية التي تذيب الألم وتحوّله إلى حضور مضيء. وبهذا يتجاوز النص حدود التجربة الشخصية ليطرح رؤية فلسفية عميقة:
أن الحب، حتى حين يُفقد، يمكن أن يستعاد في الوعي واللغة.
أن الحزن، حين يُكتب، يتحول من ألم فردي إلى معنى كوني.
أن الشعر قادر على إحياء ما ظُنّ أنه مات، وتخليد ما كان زائلًا.
خلاصة الدهشة الفلسفية
تنبع الدهشة الفلسفية في شذرة حنان اليوسفي من هذا التوتر الخلاق بين الفقد والخَلق، بين الألم والتجلّي، بين الجسد المادي والنَّفَس الروحي. فالنص يعيد تعريف العلاقة بين الشاعرة والمحبوب، ويحوّل الحب من تجربة زمنية إلى قيمة أبدية تُصان في اللغة.
إنه نص يؤمن بأن الجمال قادر على أن ينتصر على الألم، وبأن الشعر يمكنه أن يحمي الحب من الموت، فيجعله يقيم—نقيًا، أبيض، متوهجًا—على عتبة الخلود.
__
أستاذ مادة اللغة العربية
أستاذ إعدادي ثانوي سابقا متقاعد الآن وناقد لبعض النصوص التي تروق له .















