محمد هاشم… الناشر الذي أعاد للكتاب روحه
2025/1958
رحل محمد هاشم، مؤسس دار ميريت للنشر والتوزيع، تاركًا خلفه إرثًا ثقافيًا يصعب أن يتكرر. لم يكن مجرد ناشر، بل كان حالة ثقافية قائمة بذاتها؛ رجلًا آمن بالكتاب، ودافع عن حرية التعبير، وفتح أبوابًا واسعة أمام أجيال جديدة من الكتّاب والشعراء، وظلّ طوال حياته يؤمن بأن الثقافة فعل مقاومة، وأن الأدب يمكنه أن يغيّر الوعي ويحرّك الإنسانية.
منذ تأسيسه لدار ميريت عام 1998، أحدث هاشم نقلة نوعية في مفهوم النشر المستقل في مصر والعالم العربي. احتضن الأصوات الجريئة، ونشر الأعمال التي تجاوزت حدود المألوف، وخلق فضاءً ثقافيًا مفتوحًا للنقاش والحوار والإبداع. كانت ميريت بيتًا للأدباء، ومكانًا حيًا يقصده المثقفون، وورشةً دائمة للفكر والتجديد.
تعرفت عليه مثقفًا كبيرًا قبل أن أتعرف عليه ناشرًا، ووجدت فيه وطنيًا خالصًا، نقي القلب، صادق الموقف، محبًا لمصر وأهلها وثقافتها. كان يستقبل الجميع بابتسامة لا تنطفئ، ويعامِل الكتّاب وكأنهم أبناؤه، يؤمن بهم دون شروط، ويمنحهم الثقة قبل أن يمنحهم فرصة النشر.
وكان لي معه موقف لا أنساه… يوم عرض ديواني «لن أنسحب» في جناح دار ميريت بمعرض الكتاب. كنتُ واحدًا من عشرات الشعراء الذين آمن بهم هاشم، لكنه خصّني بلطفه واحتفائه، ووقف إلى جواري ببساطة لم أرَ مثلها في ناشر كبير. كان متواضعًا إلى حد الدهشة، نقيًا كصفحة ماء، وصادقًا كأنه خرج لتوّه من قلب الحياة بلا ادعاء.
لم يكن محمد هاشم مجرد رجل نشر، بل كان روحًا تعبر في المشهد الثقافي. ترك بصمة على الذاكرة، وعلى الأجيال التي قرأت وتعلّمت وكتبت بفضله. رحيله خسارة فادحة، لكنه سيظل حاضرًا بيننا بكتبه، بمواقفه، وبذلك الضوء الذي تركه في قلب الثقافة العربية.



















