تحليل وقراءة أدبية بقلم الشاعرة الأديبة غزلان حمدي من تونس
قصيدتي لا تفصح سرك للناس مجاراة لقصيدة الشاعر المرحوم كريم العراقي لا تشكو لناس جرح أنت صاحبه، ونقدت قصيدتي الادبية والشاعرة غزلان حمدي.
في قصيدته “لا تُفصِحِ سرك للناسِ”، يقدم الشاعر الجزائري رضا بوقفة، الملقب بـ”شاعر الظل”، رؤيةً تأملية متفجّرة بالشجن والوعي المرير، تتوسل الحكمة وتُفصح عن خيبة الإنسان المعاصر في مجتمعه، وعن عزلة القلب حين يُثقل بالأسرار والألم.
يبدأ الشاعر بنداء حازم: “لا تُفصِحِ السِّرَّ للناسِ الّذينَ مَضَوا”، وكأنّه ينصح من بعد تجربة، إذ لا يُرجى من الصنم أن يشعر بلوعات الهوى، فيسقط الناس من مقام الإحساس إلى البرود، ومن دفء القرب إلى عبث التبلّد، حتى يغدو الشاعر وحده حاملاً وجعه في ليلٍ لا يهتم به أحد، حيث العدم ذاته صار كيانًا غير مبالٍ.
تُغلف القصيدة روح فلسفية، فيها يعترف الشاعر بأن الصبر ليس فقط قوة، بل ملاذ صامت لأسرار متبعثرة لا ينبغي أن تخرج من صدر الإنسان، لأن انكشافها يقابَل بالخيانة أو الاستغلال. فالصمت هنا ليس عجزًا، بل حكمة. وقد جاءت الصور الشعرية مكثفة وعميقة، كما في قوله:
“فَإِنْ نَشَرتَ خَفَايَا قَلبِكَ انكَسَرَتْ
أَجنِحَةُ الصَّبرِ وَالقُدسِيُّ مُلتَحِمُ”
يوغل الشاعر بعد ذلك في جلد الذات حينًا، وفضح المجتمع حينًا آخر. فكم مرة خان الصديق ثقته، وكم مرة جُعل القلب الجسر الذي داس عليه الآخرون دون رحمة. إنه خذلانٌ مركب: من الحبيب، من الصديق، من الرفيق، وربما من الذات أيضًا.
ومع ذلك، لا ينزلق الشاعر إلى اليأس المطلق، بل يقلب الحزن إلى عزيمة:
“لَا أَنحَني لِلأَسَى، فِي الجَرحِ قُوَّتُهُ
بِالنَّارِ يُبرَأُ جُرحٌ لَو سَكَتَ أَلَمُ”
في هذه الصورة يتجلى جوهر القصيدة: الجرح مدرسة، والصبر بطولة، والدمع زادٌ للطريق.
ويمضي النص نحو رؤية أوسع، إذ يكشف الشاعر زيف ما يُلبس في هذا العصر:
الذئب بثوب الرفق، المال كسلاح خيانة، والصوت الحق مخنوقٌ في الزوايا.
هنا تتجاوز القصيدة بعدها الفردي لتلمس بصدق أزمة العالم المعاصر: طغيان الزيف، وانهيار القيم.
ثم يختتم الشاعر بنبرة روحانية متسامية:
“لَا مَلجَأَ اليومَ إِلَّا ظِلُّهُ وَهَبًا
نَرْجُو كَرَمْهُ وَفِي رَحمَاهُ نَعتَصِمُ”
وكأنّ كل هذه التجربة المريرة، بكل ما فيها من خيانة واغتراب، إنما تقود إلى اليقين بأن الملجأ الحقيقي ليس في الناس، بل في الله.
قصيدة “لا تفصح سرك” هي خطاب وعظي مفعم بالتجربة الشخصية والخيبة الإنسانية، تُحسن استخدام الصورة والاستعارة والوزن المتوازن، لتُخرج لنا نصًا متكاملًا في بنائه، ومفتوحًا على قراءات شعورية وفكرية متعددة.
كل الشكر والتقدير للشاعر رضا بوقفة من الجزائر، على هذه القصيدة العميقة، التي تمزج بين الحزن والحكمة، وتدعونا جميعًا للتأمل والاتزان في زمن قلّ فيه الصدق وكثر فيه الادّعاء.
مع تحيات رئيس مجلس الادارة غزلان حمدي
لا تُفصِحِ سرك للناسِ
لا تُفصِحِ السِّرَّ للناسِ الّذينَ مَضَوا
فَليسَ يَعرِفُ لَوعاتِ الهوى صَنَمُ
كَم ذا حَمَلتَ وجِيعًا في دُجى قَلَقٍ
وَالنَّاسُ لَا شَأنَ لَهم ما بهِ العَدَمُ
فَالقلبُ صَبرٌ، وَأَسرارٌ مُبعثَرَةٌ
تَخفى، وَتبقى بِصدرِ الصَّمتِ تَلتَحِمُ
مَا كُلُّ مَن ضَحِكَت أَفواهُهُ صَفَتْ
فِي الصَّدرِ لَهفَةُ حُزنٍ تَشتَعِلُ قِمَمُ
فَإِنْ نَشَرتَ خَفَايَا قَلبِكَ انكَسَرَتْ
أَجنِحَةُ الصَّبرِ وَالقُدسِيُّ مُلتَحِمُ
وَمَنْ تُسِرُّ لَهُ الأَسرارُ يَستَغِلُّهَا
يَزيدُ جُرحَكَ وَالأَوجاعُ تَنتَقِمُ
كَم خَابَ ظَنِّي بِمَن أَوْصَيتُهُ ثِقَتِي
فَسَارَ في زَيفِهِ وَالوَعدُ مُنْهَدِمُ
كَم قَدْ جَعَلْتُ قَلْبِيَ السَّاذِجَ جِسرَهُ
فَدَاسَني ظُلْمُهُ وَالحُبُّ مُنْفَطِمُ
لَا أَنحَني لِلأَسَى، فِي الجَرحِ قُوَّتُهُ
بِالنَّارِ يُبرَأُ جُرحٌ لَو سَكَتَ أَلَمُ
اِشْرَبْ دُمُوعَكَ وَاجعَلْ بَوحَها شَعَلاً
يُضِيءُ دَربَكَ وَالأَيَّامُ تَبتَسِمُ
فَالذِّئبُ يَلبَسُ ثَوبَ الرَّفقِ مُنتَهِكًا
وَالخَيرُ يُخفَى وَصَوتُ الحَقِّ مُحتَشِمُ
وَالمالُ زَيفٌ يَبيعُ الكُلَّ في سَفَهٍ
لَهُ تُقَدَّمُ أَيَّامٌ وَمَا نَدِمُوا
لَا مَلجَأَ اليومَ إِلَّا ظِلُّهُ وَهَبًا
نَرْجُو كَرَمْهُ وَفِي رَحمَاهُ نَعتَصِمُ
كُنْ فَيْلَسُوفًا، تَرَى الأَرْوَاحَ مُختَلِفَةً
تَسْعَى لِسِرٍّ… وَكُلُّ النَّاسِ مَنْسِيُّونَ في العَدَمُ
بقلم الشاعر رضا بوقفة شاعر الظل
وادي الكبريت
سوق أهراس
الجزائر
الشعر اللغز الفلسفي والقصة اللغزية الفلسفية
الشعر اللغز الفلسفي والقصة اللغزية الفلسفية


















