قطار بلا سائق
كان عادل يقف على رصيف المحطة يراقب قطاراً طويلاً يلمع تحت ضوء الفجر والناس تتدافع للدخول والخروج
أراد الصعود لكنه لم يكن يعرف إلى أين سيذهب ولكنه يدرك شيئاّ واحدا إنه سيركب هذه المرة.
ولج داخل القطار ،فأخذ ينتقل من مقصورة لأخرى بدهشة المستكشف وبفر ح المسافر.كانت المقصورات تختلف الواحدة عن الأخرىبشكل غريب كأنها تحمل داخلها جميع تقلبات البشر؛فهنا مقصورة مزينةٌ بالضحكات ،وأخرى مزدحمةٌ بالوجوه المتعبة وثالثة يملؤها الصمت والتفكير،ورابعةتضج بالحماس .وما أدهشه اكثر أن القطار بدأ يتحرك ولكن دون سائق ،كأن يدا خفية تسيّره.
سأله أحد الجالسين إلى أية مقصورة تريد الدخول؟
هزَّ عادل بكتفيه …لا أدري بعد فهذه أول مرة أركب القطار
ضحك الرجل قائلا…كلنا هكذا في البداية نجهل إلى أين يقودنا القطار ،ولكن تذكر فلا أحد يبقى في نفس المقعد إلى الأبد
جلس عادل في مقعد قرب النافذة ليراقب الطبيعة ،فرٱها من خلف النافذة تتبدل وتتغير مشاهدها كصفحات كتابٍ مفتوح
طفولةٌخضراء،شبابٌ سريعٌ كالهواء ،محطات مليئة بالفرص وأخرى مزدحمةٌ بالخيبات .
مرّ عليه أشخاصٌ جلسوا بجانبه لوقت قصير ثم ترجلوا في محطاتهم .بعضهم غادر بهدوء بعضهم بدمعة ،وبعضهم ترك في مقعده أثراً لا يُنسى ،والبعضُ بلا أثر
سأل عادل أحد المسافرين القدماء
كان عجوزا ذو لحية بيضاء
متى نعرف المحطة الصحيحة للنزول؟
عندما تشعر أن الرحلة التي تسير بها لم تعد
تشبهك يتوقف القطار تلقائياً
مرت السنوات على هذه التجربة بين ضحك ودموع وتغيرات مناخية كبيرة ،وعادل ما زال يكمل الرحلة،لكنه أدرك أخيرا أنه من كان يتحكم بسرعة القطار ،واختيار المقصورة والرفاق وحتى اتجاهه
وفي لحظة هدوء وصفاء تذكر كلمات الرجل الأول…لا أحد يبقى في نفس المقعد إلى الأبد
بقلمي فريدة الجوهري /لبنان


















