ملامح البداية ودهشة الاستمرار
هذه الصورة، الملتقطة منذ عشرين عامًا، لا تستدعي ماضيًا ساكنًا، بل تفتح بابًا على لحظة تأسيس؛ لحظة كان فيها الفرح طازجًا، والسعادة قيد الاكتشاف، والكتابة وعدًا يشبه الحلم أكثر مما يشبه الخطة. وجه هادئ يقف عند عتبة الحياة، لم تختبر ملامحه بعدُ صخب الأسئلة ولا أثقال التجربة، لكنه كان يحمل يقينًا خفيًا بأن الطريق، مهما طال، سينتهي إلى الحبر.
في تلك البدايات، كان المرح قرين الدهشة، وكانت الدهشة هي المعلم الأول. لم تكن الكتابة مهنة ولا مشروعًا، بل انتماءً فطريًا، نداءً داخليًا يعلّم الإصغاء قبل القول، ويجعل من الكلمة بيتًا آمنًا للروح. كان القلب خفيفًا كدفتر جديد، والقصيدة لعبة جميلة لا تطلب أكثر من الصدق.
مرّ الزمن، وتبدّلت الملامح، وتراكمت التجارب، وكثرت الأسئلة، لكن ذلك الشاب لم يغادر الصورة ولا الذاكرة. ما تغيّر ليس الفرح، بل عمقه؛ صار أكثر نضجًا، وأكثر التصاقًا بالكتابة. لم تخن الدهشة صاحبها، ولم يبدّل انتماءه، فظل وفيًا لعائلة الكلمة، لسلالة الشعراء والمثقفين، حيث الإبداع ليس ترفًا، بل قدرًا، وحيث الصدق هو الشكل الأجمل للبقاء.
ليست هذه الصورة ذكرى عابرة، بل شهادة بداية مستمرة؛ بداية كاتب ما زال يكتب بالروح نفسها، ويبتسم للحياة بالطريقة ذاتها، لأن الفرح، حين يولد من الحبر، لا يشيخ.


















