القلب الكبير: ولادة الحب ومعنى الوجود في شعر ناصر رمضان عبد الحميد بقلم/ غادة الحسيني
مقدمة
يأتي كتاب الدكتورة زبيدة الفول «ناصر رمضان عبد الحميد: سفير الأدب العربي ودبلوماسي الثقافة المصرية» بوصفه شهادة ثقافية وجمالية على تجربة إبداعية ثرية، لا تكتفي بتقديم الأديب من زاوية منجزه، بل تنفذ إلى ما خفي من محطات حياته ومسارات تشكّله، عبر حوار كاشف، واختيار دقيق لنماذج من شعره ونثره. لقد أحسنت الدكتورة زبيدة الفول حين قرأت التجربة في سياقها الإنساني والثقافي، وقدّمتها بوصفها فعل مقاومة للعبث، وصناعة للمعنى وسط ضجيج اللحظة.
ومن هذا السجل الحافل، الذي يُضاف إلى ما كُتب عن ناصر رمضان عبد الحميد، تبدو قراءة قصيدة واحدة وقفةَ وفاء وتأمل، ومحاولة للإصغاء إلى نبض التجربة من داخل نصٍّ يختزل رؤيته للشعر والحب والوجود. اخترت قصيدة «القلب الكبير» لما تنطوي عليه من كثافة دلالية، وشفافية لغوية، وقدرة على تحويل العاطفة إلى فعل ولادة متجدّد.
تحليل القصيدة:
تُبنى قصيدة «القلب الكبير» على فعل مركزي هو الولادة، منذ المطلع: «هاتِ يديكِ / لنولَدَ الآنَ معًا»، حيث لا يبدأ الحب بوصفه حالة جاهزة، بل كفعل خلق مشترك، يتأسس على المشاركة واللحظة الآنية. اليد هنا ليست أداة لمس، بل رمز لعهد إنساني، والولادة ليست بيولوجية، بل وجودية وجمالية.
يعتمد الشاعر تقنية التراكم عبر تكرار حرف الجر «من»، بوصفه معبرًا دلاليًا تُبنى من خلاله طبقات الشعور: من الحلم، من القلب، من الرعشة، من القبلة، من الضمّة، من الدمعة… هذا التتابع لا يجزّئ التجربة، بل يوحّدها، ويجعلها مسارًا تصاعديًا من الحسّي إلى الرمزي، ومن الفردي إلى الكوني.
تتجلّى في القصيدة ثنائية الانكسار والاحتواء: «قلبي الكسير» يقابله الحنوّ والضمّة، والدمعة لا تُغرق النشيد بل تمنحه صفاءً إضافيًا. حتى الألم يتحوّل إلى طاقة إنجاب، وإلى «ألف عيد» يولد من لحظة واحدة. هنا يقدّم الشاعر تصورًا للحب بوصفه قدرة على إعادة تشكيل الوجع، لا إنكاره.
يحضر معجم الطفولة بوصفه رمزًا للنقاء الأول، وللعبور من الأسوار إلى الحرية، فيما تتجاور عناصر الطبيعة: الزهرة، الشمس، النجمة، الضوء، الماء، لتؤسس علاقة حميمة بين الداخل الإنساني والخارج الكوني، وكأن القلب الكبير هو المساحة التي تلتقي فيها الذات بالعالم.
على المستوى الإيقاعي، تنهض القصيدة على تفعيلة مرنة، تتكئ على التكرار والإنشاد، ما يمنح النص نفسًا صوفيًا، ويجعله أقرب إلى صلاة شعرية. ويتجلى هذا البعد في قوله: «من دفءِ صوتكِ / حين يسري كالصلاةِ على الأثير»، حيث يتحوّل الصوت إلى طقس تطهّر، ويغدو الحب وسيطًا للسموّ.
وتبلغ القصيدة ذروتها في المفارقة الدلالية العميقة: «من صمتِنا / وُلِدَ الكلامُ»، فالصمت هنا رحم اللغة، ومن العلاقة المشتركة «نبتت مواسم عشقنا فوق الصخور»، في إشارة إلى قدرة الحب على الإنبات في أقسى الشروط. أما الخاتمة: «تمضي كأحلام الصغار إلى المصير»، فتترك النص مفتوحًا على أفق إنساني، حيث البراءة لا تُلغى أمام المصير، بل ترافقه.
في النهاية :
تكشف قصيدة «القلب الكبير» عن جوهر تجربة ناصر رمضان عبد الحميد: شعرٌ يرى في الحب فعل خلق، وفي اللغة بيتًا للإنسان، وفي الجمال مقاومة هادئة للعبث. وهي، ضمن مختارات كتاب الدكتورة زبيدة الفول، نموذج دالّ على حسن الاختيار، وعلى قراءة واعية لتجربة شاعر جعل من القلب مساحة للاتساع، ومن القصيدة ولادةً لا تنتهي.



















