الفنان عبد العزيز قطبان، فنان من المغرب. يتبنى مدرسة “الانطباعية التراثية” بلمسة مغربية خالصة، حيث يجعل من اللوحة سجلا بصريا للحياة اليومية التي قد تغيب عن صخب المدن الكبرى.
تتركز فلسفته في هذه المواضيع الثلاثة كالتالي:
الأسواق في البوادي (ديناميكية الحركة واللون)
السوق الأسبوعي في البادية المغربية ليس مجرد مكان للبيع والشراء بالنسبة لقطبان، بل هو مسرح بصري:
التوثيق السوسيولوجي: يركز على رصد تجمعات الناس، الخيام، وحركة الدواب، مما يعكس روح التعاون والبساطة في الريف المغربي.
لعبة الضوء: يبرع في تصوير الغبار المتصاعد تحت أقدام البهائم، وكيف يخترقه ضوء الشمس، مما يعطي للوحة حيوية تجعلك تشعر بضجيج السوق ورائحته.
المناظر داخل المنازل (حميمية الفضاء الخاص)
عندما ينتقل بفرشاته إلى داخل المنزل المغربي، تتغير لغته الفنية لتصبح أكثر هدوءا وحميمية:
يوثق تفاصيل “الدار الكبيرة”،، البساطة، مع التركيز على كيفية انعكاس الضوء على الجدران.
الأواني والأثاث: يهتم بتوثيق “البراد”، “الصينية”، و”الزرابي” الأمازيغية أو الحضرية، معتبرا إياها عناصر مكونة للهوية البصرية المغربية.
الفلكلور المغربي (الجسد والرمز)
في موضوعات الفلكلور، تبرز قدرته على دمج الحركة بالرمزية:
الفروسية (التبوريدة): يوثق لحظة “الطلقة” الموحدة، حيث يمتزج البارود بلباس الفرسان التقليدي، مصورا القوة والشموخ.
الرقصات الشعبية: حيث يركز على انسيابية اللباس التقليدي (الجلابة والقفطان) وتناغم الأجساد، مما يحول الفلكلور من مجرد رقصة إلى طقس روحي وتاريخي.
القيمة الفنية لأعماله
ما يميز قطبان في هذه المواضيع هو “الصدق العفوي”؛ فهو لا يرسم للسياحة أو للاستعراض، بل يرسم كابن لهذه البيئة، موثقا تفاصيل قد تبدو بسيطة لكنها تحمل ثقلا ثقافيا كبيرا. أعماله تعد مرجعا جماليا للأجيال القادمة لمعرفة كيف كان يعيش الإنسان المغربي وكيف كانت تبدو فضاءاته الخاصة والعامة.
لتقريب فن قطبان اليكم تحليل لوحة من لوحاته.
هذه اللوحة للفنان عبد العزيز قطبان تمزج بين “التوثيق التراثي” و”الانطباعية التجريدية”. التحليل السيكولوجي (النفسي) لهذه اللوحة يكشف عن أعماق وجدانية تتجاوز مجرد رصد مشهد منسج أو جلسة نسائية.
سيكولوجية الضوء واللون (البهجة والسكينة)
غلبة الأبيض والألوان الفاتحة: يعكس استخدام الأبيض الممزوج بالأصفر والأزرق السماوي حالة من الصفاء النفسي والطمأنينة. اللوحة تشع “نورا” داخليا، مما يوحي بأن المشهد ليس مجرد عمل شاق، بل هو طقس من السعادة والرضا.
التناقض اللوني الهادئ: وجود اللون الأحمر والأرجواني في الملابس يعكس حيوية الشخصيات وإقبالها على الحياة، رغم بساطة المكان.
مفهوم “الستر” والخصوصية المغربية
تغبيش الملامح: الفنان لا يرسم ملامح الوجه بدقة، وهذا سيكولوجيا ينقل التركيز من “الفرد” إلى “الحالة”. هو يوثق هوية جماعية. عدم وضوح الوجوه يعطي نوعا من “الستر” والقدسية للمرأة في فضائها الخاص، وهو انعكاس نفسي لثقافة الحياء والحرمة في البيوت المغربية العتيقة.
سيكولوجية العمل الجماعي (المنسج كرباط)
المنسج (آلة النسج): يظهر المنسج في منتصف اللوحة كعمود فقري. سيكولوجيا، يمثل المنسج الاستمرارية والصبر. الخطوط العمودية توحي بالاستقامة والقوة، بينما الجلسة الدائرية للنساء حوله تعكس الدفء الاجتماعي والترابط الأسري. العمل هنا ليس عبئا، بل هو وسيلة للتواصل وتفريغ الطاقات النفسية عبر الإبداع اليدوي.
الذاكرة والحنين (النوستالجيا)
الضربات العفوية بالسكين أو الفرشاة: الطريقة التي وضع بها قطبان الألوان تعطي ملمسا خشنا يشبه جدران البيوت القديمة. هذا يثير في نفس المشاهد حاسة اللمس والذاكرة؛ فالمشاهد المغربي لا يرى اللوحة فقط، بل “يشم” رائحة الصوف والبيت القديم، مما يخلق رابطا عاطفيا قويا مع الماضي.
اللوحة تبدو وكأنها داخل “فناء” أو “وسط دار”، لكن الألوان تجعل الفضاء يبدو لامتناهيا. هذا يعبر عن سيكولوجية “الانشراح”؛ فرغم ضيق المكان ماديا، إلا أن الأفق النفسي للشخصيات واسع ومشرق، وهذا قمة التوثيق للرضا النفسي في البوادي والأحياء الشعبية.
لوحة عبد العزيز قطبان هذه هي احتفاء بصري بالسلام الداخلي. هي تقول إن السعادة تكمن في “اللمة” وفي “العمل اليدوي” وفي “الضوء الذي يتسلل إلى الزوايا المنسية”. إنها محاولة نفسية لاسترجاع زمن “النية” والبساطة وسط صخب العالم الحديث.
فوزية جعيدي
التراث المغربي في حضرة الفن للفنان عبد العزيز قطبان وتحليل فوزية جعيدي
الفنان عبد العزيز قطبان، فنان من المغرب. يتبنى مدرسة "الانطباعية التراثية" بلمسة مغربية خالصة، حيث يجعل من اللوحة سجلا بصريا...
اقرأ المزيد


















