سناب شات وتأثيراته على النساء
بقلم: روزا حمه صالح
في الآونة الأخيرة، كشفت دراسة أُجريت في الولايات المتحدة الأمريكية أن شبكات التواصل الاجتماعي عمومًا، وتطبيق سناب شات على وجه الخصوص، تُلحق أضرارًا نفسية كبيرة بمستخدميها. وأكدت الدراسة أن سناب شات يُعد من أكثر شبكات التواصل الاجتماعي تأثيرًا سلبيًا على سلوكيات وتصرفات الشباب، وخاصة الإناث، نتيجة الإفراط في استخدامه.
يخلّف سناب شات آثارًا سلبية متعددة على مستخدميه، ويعود ذلك إلى أن التطبيق قائم أساسًا على الصور، مما يجعل من الصعب على المستخدمين الابتعاد عنه. كما أظهرت الدراسة أن لهذا التطبيق تأثيرات نفسية سلبية تؤدي إلى العزلة، والانطواء، والاكتئاب، والقلق، وفقدان الثقة بالنفس، والخوف. وأشارت إلى أن الأشخاص الذين يقضون وقتًا طويلًا في استخدام سناب شات يصبحون غير راضين عن مظهرهم الطبيعي، ويشعرون بالنقص والدونية. وعند مقارنة وجوههم الحقيقية بالفلاتر المستخدمة في التطبيق، يلجأ بعضهم إلى عمليات التجميل وحقن البوتوكس والفيلر، في محاولة لجعل ملامحهم شبيهة بصور سناب شات.
في هذا العصر، انتشرت هذه التطبيقات في جميع أنحاء العالم، وبات من الصعب على الناس الابتعاد عنها. لذلك اقترح الباحثون حلًا يتمثل في تذكير المستخدمين بأن الحياة موجودة خارج هذه التطبيقات، وضرورة تخصيص أقل وقت ممكن لاستخدامها.
ويُلاحظ أن استخدام سناب شات في الدول المتقدمة أقل بكثير مقارنة بالدول والمجتمعات المتأخرة.
ويُعد المجتمع العربي و الكردي من المجتمعات التي يستخدم أفرادها هذه التطبيقات بنسبة عالية وبشكل يومي، ويمكن ملاحظة هذه الظاهرة بوضوح في محيطنا. ففي مجتمعنا، أصبح الناس عمومًا، والنساء بشكل خاص، مدمنين بشكل مفرط على هذه المنصات الإلكترونية، مما أدى إلى آثار نفسية سلبية كبيرة، وصلت في كثير من الحالات إلى فقدان الثقة بالنفس. وقد نشأ وضع خطير جعل غالبية النساء غير قادرات على التقاط الصور دون استخدام فلاتر سناب شات، فنسين ملامحهن الحقيقية وواقع حياتهن، وحوّلن حياتهن الخاصة إلى سلعة معروضة للجميع، وكأن الحياة لا تعني سوى التقاط الصور وعرض حياة مزيفة.
لقد تجاوز سناب شات حدود الخصوصية الأسرية؛ ففي الماضي كان من الصعب الحصول على معلومات خاصة عن حياة العائلات، أما اليوم، وبسبب هذا التطبيق، أصبح ذلك سهلًا جدًا، حيث باتت العائلات مكشوفة إلى حد كبير، ولم يعد فيها ما هو خفي.
منذ القدم كانت للمرأة قدسيتها، وكانت تتحمل المسؤولية، وتشكل أساس تماسك الأسرة، وتحافظ على أسرارها، مما أسهم في تقليل المشكلات داخل الأسرة. أما اليوم، فقد أصبحت النساء أقل اهتمامًا بالأسرة، وأضعف تحمّلًا للمسؤولية، وهن الأكثر استخدامًا لهذه المنصات الإلكترونية. كما يتنافسن يوميًا في عرض حياتهن الخاصة، وخروجهن، وعلاقاتهن، وملابسهن، وطعامهن عبر سناب شات. تعيش بعض النساء في هذا التطبيق حياة مليئة بالرومانسية والحب، بينما قد يكون الواقع على النقيض تمامًا، ولا يعد ذلك سوى محاولة لتعويض النقص والفراغ في حياتهن الحقيقية.
تشير المؤشرات الحالية إلى أن عددًا كبيرًا من النساء يعانين من اضطرابات نفسية وفقدان الثقة بالنفس، ويظهر ذلك من خلال مجموعة من العلامات، أبرزها آليات الدفاع عن الذات، وحب الظهور، والتفاخر أمام الآخرين، وتسليط الضوء على الحياة الخاصة والميزات الشخصية، حتى وإن كانت وهمية.
وعليه، فإن هذا الاستعراض والظهور عبر سناب شات لا يتعدى كونه متعة مؤقتة، ومنافسة بين الناس، ووسيلة لإثارة الغيرة فيما بينهم. كما تكشف هذه التصرفات عن مستوى منخفض من الوعي، لا علاقة له بالمستوى التعليمي؛ إذ إن أغلب المستخدمين متعلمون وخريجو معاهد وجامعات، لكنهم يفتقرون إلى الوعي الحقيقي.
لقد تسللت شبكات التواصل الاجتماعي عمومًا، وسناب شات خصوصًا، إلى بيوتنا، وجعلت مستخدميها يقعون في فخ الإدمان، ويرتبطون بها ارتباطًا دائمًا، وينفصلون عن واقع حياتهم، ويبتعدون عن العلاقات الاجتماعية الحقيقية، فضلًا عن فقدان الخصوصية الفردية، والتوجه نحو حياة سطحية.
ولا شك أن نشر الخصوصيات والتعدي على الحياة الشخصية أمر مرفوض وغير مرغوب فيه، وهو سلوك غير لائق، خاصة في المجتمعات المتأخرة. نلاحظ اليوم أن كثيرًا من المفاهيم المرتبطة بالاحترام، والكرامة، والحياء، والخطوط الحمراء بدأت تختفي؛ فما كان محظورًا في الماضي أصبح اليوم مسموحًا وينشر عبر هذه الشبكات الاجتماعية. لقد أصبحت هذه المنصات أشبه بالفيروس، ولم يعد لدى الإنسان وسيلة حقيقية للدفاع أمامها.
في ثقافة جميع المجتمعات، هناك مفهوم يُسمى «العيب»، والإفراط في أي شيء يؤدي إلى العيب والعار، سواء صدر عن المرأة أو الرجل. لذلك، يجب علينا البحث عن ذواتنا الحقيقية عبر الطرق الصحيحة، وضبط سلوكياتنا وتصرفاتنا. فإذا اختفى مفهوم الحياء بين أفراد المجتمع، فإن هذا المجتمع يتجه نحو الانهيار، وتضيع القيم الجميلة والمقدسة، وتنهار كرامة الإنسان واحترامه.


















