عبد الله الحضري… حين يتحوّل الإرشاد السياحي إلى معرفة وطنية حيّة بقلم /ناصر رمضان عبد الحميد *
مقدمة: الإرشاد السياحي بين المعرفة والرسالة
لم يعد الإرشاد السياحي مجرد مهنة لشرح موقع أثري أو مرافقة سائح، بل هو في جوهره رسالة ثقافية وحضارية، وجسر وعي يربط الماضي بالحاضر، ويقدّم صورة الوطن من خلال من يمثّله. فالمرشد السياحي الحقيقي هو مثقف موسوعي، عالم بالآثار، مدرك للتاريخ، واعٍ بالسياق الحضاري، وقادر على تحويل الحجر الصامت إلى حكاية نابضة بالحياة. وكلما ارتقى وعي المرشد وثقافته، ارتقت صورة الوطن في عيون زائريه.
في هذا السياق يبرز اسم عبد الله الحضري، لا بوصفه مرشدًا سياحيًا فحسب، بل باعتباره نموذجًا متفرّدًا للمرشد المثقف، الذي يجمع بين العلم والخبرة، وبين الانتماء الصادق للأرض التي يحكي تاريخها.
عبد الله الحضري… علمٌ لا يُستعار وانتماء لا يُدّعى
حين تستمع إلى عبد الله الحضري، تدرك سريعًا أنك لا تقف أمام مرشد سياحي تقليدي، بل أمام أثريّ كبير، ممتلئ بالمعرفة، شديد الوعي بالتاريخ المصري القديم، وبالثقافة التي شكّلت وجدان هذه الأرض عبر آلاف السنين. حديثه ليس استعراض معلومات، بل بناء معرفي متماسك، يبدأ من الأثر الذي يقف أمامك، ويمتد إلى سياقه الحضاري والإنساني.
إنه مصري ينتمي إلى هذه الأرض بحق؛ يعرفها، ويفهمها، ويدافع عنها بالعلم لا بالشعارات. فالمتابع لما يقدّمه من فيديوهات أو معلومات موثوقة عن المتحف المصري الكبير، أو عن عالم الآثار الممتد على أرض المحروسة من شرقها إلى غربها، يلحظ بوضوح تميّزه عن كثيرين. طريقة العرض، اختيار المعلومة، وضوح الفكرة، واحترام عقل المتلقي، كلها عناصر تصنع بصمته الخاصة.
منهج “الزتونة”… بساطة العالم وذكاء المعلّم
لعبد الله الحضري أسلوبه الذي بات علامة مميّزة، وهو ما يطلق عليه مصطلح “الزتونة”؛ وهي كلمة من التراث المصري الشعبي تعني الخلاصة، أو لبّ الموضوع، أو الفائدة التي ينبغي أن تعرفها دون إغراق في التفاصيل.
يبدأ بالشرح السلس المختصر، ثم يمنحك “الزتونة”: تلك المعلومة المفصلية التي إن أدركتها فهمت الأثر كله، وربطته بزمنه ودلالته. وهذه القدرة لا يملكها إلا من امتلك العلم، وهضم المعرفة، ثم أعاد تقديمها بوعي تربوي وثقافي رفيع.
سيرة علمية ومهنية تؤكد الجدارة
عبد الله الحضري خريج كلية الألسن – جامعة عين شمس، قسم اللغة الألمانية، عام 1993، وهي دراسة صقلت أدواته اللغوية والثقافية. حصل على ترخيص الإرشاد السياحي عام 1995، ليبدأ رحلة طويلة في الميدان، لم يكتفِ فيها بالممارسة، بل واصل التطوير العلمي حتى نال ماجستير الترجمة والترجمة الفورية عام 2021.
وهو اليوم مترجم فوري، ومرشد سياحي، ومحاضر بجامعة حلوان، يجمع بين الخبرة الأكاديمية والتجربة العملية، ويقدّم نموذجًا للمرشد الذي لا يتوقف عن التعلم.
الإنسان قبل المهنة
وإلى جانب مسيرته العلمية والمهنية، يقدّم عبد الله الحضري صورة الإنسان المتوازن، المتجذّر في أسرته ووطنه؛ متزوج، وأب لولدين:
أحمد، طالب بكلية الهندسة،
وياسين، طالب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية،
وهي تفاصيل تعكس إيمانًا بالعلم وبناء الأجيال، تمامًا كما يفعل في رسالته السياحية والثقافية.
الإعلام ودوره في ترسيخ المعرفة
كان ظهوره الإعلامي عبر منصات الهيئة الوطنية للإعلام (ماسبيرو) إضافة نوعية، إذ لم يكن حضورًا شكليًا، بل مساهمة حقيقية في رفع الوعي السياحي والأثري، وتقديم المعلومة الصحيحة بلغة رصينة، بعيدة عن التهويل أو السطحية.
في النهاية: نموذج يستحق التقدير
عبد الله الحضري ليس مجرد اسم في سجل الإرشاد السياحي، بل قيمة معرفية ووطنية. هو من أولئك الذين يدركون أن السياحة ليست ترفًا، بل وعي وهوية واقتصاد وثقافة. وفي زمن كثرت فيه الأصوات وقلّ العمق، يظل مثالًا للمرشد الذي يجعلك تحب التاريخ لأنك فهمته، وتحترم الأثر لأنك أدركت معناه، وتقدّر الوطن لأنك رأيته بعيون عالمة صادقة.
___
*عضو اتحاد كتاب مصر
رئيس تحرير مجلة أزهار الحرف
رئيس ملتقى الشعراء العرب
عبد الله الحضري… حين يتحوّل الإرشاد السياحي إلى وعيٍ أثريٍّ وانتماءٍ مصريٍّ أصيل بقلم ناصر رمضان عبد الحميد
عبد الله الحضري… حين يتحوّل الإرشاد السياحي إلى معرفة وطنية حيّة بقلم /ناصر رمضان عبد الحميد * مقدمة: الإرشاد السياحي...
اقرأ المزيد


















