‘الوطن قلب’
حين رأيته
كان يعبر حشود جنازته
يمشي منتصب القامة
بشجاعةٍ فارعة
وملامح توارت خلف ستار
من عفر التراب
ثمة رعشة داهمت جسدي
أحسسته يطل من تابوته السري
محاطاً بسلاسل الوجع
حيث الجميع قال:
(لامناص ….لم يبق أحياء تحت الركام )
متوحداً بجموع العابرين
كان يمضي …
يذوب في اندثار المتعدد
من الأسماء والوجوه .
يتوكؤ على يقينه الكلي،
يتنفس بعمق وألم .
حدقت ملياً …
انه هو …
هو ….
لا زال على قيد حياة .
خفق قلبي….بشدة
شعرت بخنجر يشق صدري
ينغرس ويُنتزعُ بلحظه .
لم تعتد النساء في بلادي
السير في الجنازات .
توقفت أراقبه …
وهو يلاحق البقايا من خفوت الضوء ،محاولاً اجتياز
عتم اليباب بلا ضجيج .
وفي زاوية أحد المباني
التي نجت من محاولة انقضاض
تسمَّر لينفض عنه ذاك الشحوب .
اقتلعت الدهشة ….
وما فاض من العتم …
لأراه …
رحت أمتح القبسَ
من انبثاق النور ….
في نبض الثواني .
اختلطت أحاسيسي …
في الدواخل ….
بين ألم وحزن وفرح .
وبيقين الانكشاف
أقبلت نحوه ….أمعنت النظر
انه هو …
لازال على قيد الحياة .
قابعاً….
مثل قط يزيل أوساخ قمامة عالقة ،
كان يزيل عن صدره غبار الانزلاق
في دوامة الزمن ورمالها المتحركة.
وبهمسات حنونة
حتى لا ترعبه المفاجأة
قلت :
الحمدلله على السلامة .
داهمته الدهشة …
اقتربت منه ،
مزقت بعضاً من قميصي
رحت أمسح وجهه
اتضحت الرؤية
حين تخطى حدود الشفيف من الصور
الى بدايات التجلي لحقيقة الأشياء
غادر جُب العمى إلى البصيرة
ليرى عالم الأشلاء المسروقة
والدفينة .
راح ينظر غير مصدقٍ ،
أن الحياة منحته موعداًجديداً
مع الحب .
استعاد مساحة الرؤيا
منعطفاً نحو حلم
رسمناه معاً ذات يوم
مختنقاً شاحباً متحشرجاً
صار يستصرخ المقابر
والأشجاروماتنزل من سور
ينغمس في الدهشة
كما البذرة تعشش في التراب
ثم ينهض مثل أفرادٍ كثيرين
متشابهين غير متقاتلين
وبوارفٍ من ظلٍ يتسع
لعناق
نزع صمام الأمان عن فمه
وأطلق صيحة :
لا أصدق …أمسكِ يدي
زمليني
هل أنا هنا ؟!…هل أنتِ هنا؟!
هل أنت طيف أم شبح؟؟؟
تثاءب الصباح وتصاعد الضوء
منتشراً ..
مددت يدي نحوه …
سندت رأسه على صدري
اغرقته بالدموع.
كان مبتور الذراع …!!!
خمس أصابع وذراع واحد.
عينان سوداوان ….
عين حدأة تترصد الفرائس
وعين تلمح الوعيد في وقع المسافة
كعين زرقاء اليمامة .
شفتان….
شفةٌ تُطبقُ على سر الكلام
كما يغلق السجان زنزانةً
منفردة
لِيبقِ كل مافيهامعزولاً ومنعزلاً
فلا يعلو أنينٌ أو زئير .
وشفة تنزاح برفق لتبسم
في وجه طفل صغير.
وأصابع خمسة ….
مابين ابهام وسبابة ينساب قلم
ينسج الكلمات من ألم
قال يائساً: لن أستطيع الكتابة من
جديد ….
سبابتي لم تعد صالحة إلا لأداء
الشهادة .
قلت :لاتحزن لازال لك قلمي
ويدي.
سنعيد صياغة الكلمات.
ومابين… بينٍ وبين .
صار كل شيءٍ بيناً
وفي لحظة اقتضاب …
كان انكشاف الحقيقة
عن لجة تشف كالبللور
لقد عاد …
وعاد النهار…
فتحت ذراعاي
ليتلاشى امتدادهما
أمام ناظريه…
احتضنت الجسد المتبقي
نَمَتْ في كتفه ذراعي
التف شعري حول عنقه
ضممته…توحدت فيه
وفي انهمار الشوق
كان العناق
نبتت ذراعه من جديد
صار قلبه نابضاً
أطلق زفيره الحار في وجهي
قلت له :
ليس ثمةَمن حقيقة …
غير أننا معاً .
صرخ مُعتِقاً صوته …
إني على قيد الحياة
خذيني بين ذراعيك
اجمعيني من جديد
اجعلي حبك قيدي الوحيد
لا تتركيني
سأواري سوءتي
وأجر أذيال انكساراتي
أتدثر في دفء الحنايا
أتحرر من سلطة الأرق
ولعنة الخوف
أرمم أنقاضي
أمتد …
لا أرتد
قلبك وطني الوحيد
حضنك ..حضن أمي
صوتك نشيدي
خذيني إليك
حرري قيدي
انثريني مثل عطرك
في الفضاء
قلت : انهض حبيبي
تعال معي
قد يحرقوا كل الحدائق
والمرافئ
قد يقطعوا رؤوس الزهر
ويصطادوا كل النوارس
لكنهم لن يمنعوا الربيع
أن يأتي …
الوطن ليس مجرد أرض
الوطن قلب… وفي القلب
حب كبير
مها قربي
سوريا
السيرة الذاتية والأدبية للأديبة الأردنية ماجدة الطراونة
الاديبة ماجدة الطراونة من الاردن خريجة ماجستير رياضيات تكتب القصص القصيرة وقصص الاطفال ولديها اصدارات عديدة منها "مغاريف" و"آدمية" وتكتب...
اقرأ المزيد
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي