رسائل إلى ابنتي… التاريخ: اليوم، في هذه اللحظة
الرسالة الأولى:
أقتليني لتعيشي
قررتُ يا صغيرتي أن أكتب إليكِ،
علّ رسائلي تصحّح أخطائي وتجعلني جديرة پأن أكون أمًا.
فليس سهلًا أن تكوني كذلك في هذه الزاوية من الكون، حيث تُذبح الأنوثة وتُشوّه كلّ يوم.
وفي زمن تُهان فيه الإنسانيّة وتفقد معناها.
لأنكِ الحياة كل الحياة، ولأنكِ الأم، الطبيعة، أكتب إليكِ
لأنّكِ الكلمة، اللغة، والحضن، ولأنّه لا أمل بالتغيير إلا بكِ ومعك ِ أكتب إليكِ.
صغيرتي…
أنت الحياة ولا استمرار لها إلّا بكِ، فلا تستخفي بذاتك أبدًا، لا تصدّقي أن هناك إلهًا عادلًا، يخلق بين الناس مراتب ومستويات ويسيّد بعضهم على بعض، فأنتِ انسان حرّ، واعٍ ومسؤول. والله ليس رجلًا شرقيًّا يحلّ عقده على النساء.
لا تسمحي للتقاليد البالية بأن تشوّه عقلك وفهمك للحياة، حتى لو كنتُ انا من نقلها إليكِ، فكلُ منا شئنا أم أبينا نُمسك الماضي بيد ونعمل في الحاضر بالأخرى. من وَضَعَ هذه التقاليد يا صديقتي كان هدفه أن يسيطر على المجتمع، ولا سبيل إلى ذلك إلّا من خلال تشويه حقيقتكِ وإقناعكِ بأنكِ عورة ويجب أن تختبئي و تخافي. وأن تعيشي عبدة، أو في أفضل الحالات تابعة. لا تصدّقي ذلك، فإن صدّقتِ شوّهتِ الحياة، وأفسدتها، لأنٌ العبدة لا تُربي أحرارًا بل تربي عبيدًا متردّدين لا ثقة لهم بذاتهم ولا قدرة لهم على التفكير والتغيير.
ما يظنّه الناس حقائق ليست سوى أوهام اعتاد الناس سماعها. أوهام ومغالط وأكاذيب، تاريخنا تراثنا وتقاليدنا، فالناس يحبّون القيود، وإن لم تكن موجودة لصنعوها بأنفسهم وتزيّنوا بها. أمّا الحقيقة فهي مدفونة تحت الأنقاض، الوسيلة الوحيدة لإيجادها و لتمييز الصحيح من الخطأ هي باستخدام عقلك في الحفر عميقًا، عقلك الذي وهبك إياه الله. إيّاك أن تسمحي لأحد بأن يسلبك هذا العقل، أو أن يجعله أسيرَ أفكارٍ لا تستطيعين إثبات صحتها. فإن خسرتِ عقلكِ خسرتِ انسانيتكِ وخسرتِ وجودكِ.
استمتعي بكونك أنثى، لها روح وعقل وجسد بشريّ لا تخجل به، فأنتِ إنسان كامل لا نقص فيه، ولو كان ناقصًا لما حمّله الله مسؤوليّة استمرار الحياة ورعايتها.
صغيرتي…
شخصية الإنسان لا تنضج وتطوّر إلٌا من خلال تجارب الحياة، فاعلمي أنّ واجبك الأول هو تجاه نفسكِ، إنّه اكتشاف ذاتكِ والتصالح معها ومحبتها دون خوف.
حرّري نفسك يا حلوتي من كل القيود، وإن لزم الأمر أقتليني.
أجل أقتليني بدمٍ بارد وبكل ثقة بأنّ ما تفعلينه صحيح، أقتليني دون أن يرفّ لكِ جفن، أقتليني، و امحي صورتي من داخلك كما تخلعين ثوبًا قديمًا لا يناسب أوقات احتفالاتكِ. أقتليني وعيشي الحاضر.
عدوّك الكبير إذًا يا جميلتي، هو الخوف، هو الوحش المتنكّر الذي يلتهم الأحلام، يجب أن تمنعيه من الاقتراب منكِ. لا تخافي من الحياة، ولا تخافي من الخطأ، فأنت إنسان، ومن حق كل إنسان أن يخطئ ليتعلم، فمن لم يكن مستعدًا ليخطئ فهو غير مستعد للحياة.
دمت للحياة حياة
نجوى صبح
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي