وشوشات
كنت أقرأ لها بعض قصائدها المترجمة في النهار. كانت تنتابني في غور سطورها المتناغمة مع لحن الطبيعة المفصلة بريشتها البهية الناعمة، نور الصباح ورفة من الطمأنينة التي افتقدها في كهوف معبودتنا البالية “المادة”.
ارتقت بنا إيتل عدنان لعالمها الحر من شوائب الدنيا في لقاء تلفزيوني مع الرائع ريكاردو كرم.
سحرتني بطلتها البهية في عمر ال 95، الذي تجلل فوق هامتها شعر أبيض ينسدل بخجل فوق جبينها “نور تستفيق له الأرواح النائمة”.
ابنة لأب سوري احتل موقع متقدم في الحكم العثماني لسوريا وأم يونانية ولدت في ازمير التركية.
عاشت طفولتها في لبنان وتحديدا في بيروت. عشقت البحر الأزرق والجبل.
تلقت علومها في مدرسة للراهبات، اتقنت اللغة الفرنسية واعلنت ندمها لحرمانها معرفة اللغة العربية.
عاشت في بيئة عائلية تتحدث التركية واليونانية. كانت من اوائل النساء في لبنان اللواتي عملن في الصحافة.
في كينونتها التي عاشت فيها ملاحم حضارات منتوعة، ابقت في قلبها ورؤيتها الوطن العربي في ذكراتها الدافئة. ففي نظرها الوطن العربي خزان الحضارات وينبوعها الذي لا ينضب.
كسر قلبها الرقيق احتلال فلسطين ونكسة 67.
اتقنت لعبة الحياة، فوجدت سعادتها في الحب والشغف. في تفاصيل الطبيعة العذراء اقامت عبادتها، فسطرت برصاص القلم وشطحات ريشتها الحرة من قيود التبعية اجمل ذكرياتها، اطلقتها حرة في عالم يعشق قراءتها.
عالمة مدونة في الحياة والموت والحب والحرية. قالت بتجرد لا تكون انسانا ان لم تكن حرا، ولا حرية بدون ايمان.
تكره الموت لانه يتناقض مع حب الحياة. تستشعر في نبضات تجاعيدها الرقيقة شوقا ازليا للغفران ، تركع لربها تصلي اللقاء والتسامح.
فيلسوفة عصرها العامر في جنبات صدرها المتوغل سرا بالمعرفة المتنوعة.
قالت “الحرف لوحة واللوحة لغة”.
تسبح عروس بحر في دنياها حتى آخر العمر.
تهدي لمشاهديها دعوة “انسوا الأنا كل يوم ولو لثواني”.
ايتل رحلت الى الغد الحلم… فالحياة في قاموسها استمرار.
سمر دوغان
لوحة للفيلسوفة الراحلة إيتل عدنان.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي