حاورته من لبنان :
حوار مع الشّاعر عادل خدّاج، حاورته عبير عربيد
كنت طفلة عندما كان والدي ينتظر حفلات الزّجل على تلفزيون لبنان، كنت أجلس أمام التّلفاز بين أحضانه، لم أكن أفهم ما يقولون، لكننّي لا أستطيع وصف سعادتي بفرحة والدي وصيحة الأوف الّتي تعلو مع كلّ “ردّة” وكلّ شاعر. تردّدت الأسماء على مسامعي فكبرت أعشق الزّجل وشعراءه، حتّى التقيت اليوم بشاعر كبير، كنت أراه عملاقا من عمالقة الزّجل في طفولتي وما زلت. لقائي به اليوم يعيد إليّ ذكريات، ما أردت انتزاعها من زوّادة سعادتي، أشعر اليوم بمدى سعادة والدي حيث هو، أسمع ضحكاته وتعلو معها الأوف وأنا أحاور الكبير عادل خدّاج، الّذي أبهرني باتّساع ثقافته وجمال مجالسته ومحادثته.
1-الشّاعر عادل خدّاج، كيف تعرّف عن نفسك؟
الشّاعر عادل خدّاج من كفرمتّى، أوّل مرّة اعتليت المنبر كان لي من العمر 14 سنة في قرية الجاهليّة في الشّوف، من بعدها ألّفنا جوقة المسرح مع الشّعراء أنطوان سعادة، أحمد جمّول والياس أبو راشد في فترة الشّباب، ثمّ انتقلت مع الشّاعر طليع حمدان إلى جوقة الرّبيع لحوالي الخمس سنوات، ومن بعدها مع الشّاعر موسى زغيب في جوقة القلعة لفترة زادت عن العشر سنوات، انتقلت بعدها إلى جوقة زغلول الدّامور لفترة ثماني سنوات. والآن أترأّس جوقة اللّيالي، ونائب رئيس نقيب شعراء الزّجل في لبنان.
ليس الزّجل فقط جولات وفرق، لكن لي عدّة مباريات مع العديد من كبار الشّعراء في لبنان، أوّل مباراة كانت مع الشّاعر الكبير زين شعيب، كنت في العشرين من عمري، كما غنّيت مع الشّعراء أسعد سعيد، محمد مصطفى، أحمد السّيد، زغلول الدّامور، خليل شحرور، موسى زغيب، وزرنا الكثير من البلدان أميركا الجنوبيّة، أميركا الشّماليّة، أوروبا، أفريقيا،أستراليا، وكافّة الدّول العربيّة، ولنا جمهور عريض في كلّ تلك البلدان وحول العالم.
كما أصدرت 4 كتب شعريّة، أوّلها شعلة المنابر، لكنّه مفقود الآن، الكتاب الثّاني جولات شاعر، الثّالث حوار الأجيال وهو الحوارات الّتي كانت تجري بيني وبين كبار الشّعراء، وإصداري الأخير من ضيعتي، وفيه كتبت فيه كلّ ما قلته في ضيعتي في كافّة المناسبات.
2- هل تعتقد بأن عاملي الوراثة و البيئة يؤثّران على مسار الموهبة؟ وكيف؟
البيئة تؤثّر كثيرا، لكن الوراثة لا، فهناك العديد من الشّعراء، ليس لأولادهم أيّة صلة بالشّعر والعكس. الشعر “نبتة عكعبا” لا أحد يشبه الآخر ولكلّ شاعر ميزته، لكن البيئة أكيد تؤثّر فالزّجل مثلا هو ابن الرّيف، ومن النّوادر وجود شعراء زجل في المدن.
3-“جوقة المسرح” أول جوقة ألّفتها مع الشّعراء انطوان سعادة، الياس بو راشد، وأحمد جمّول. حدّثنا عن هذه التّجربة وكيف أثّرت على مسارك الفنّي في المستقبل؟
كانت البداية وكنّا مندفعين، أيّام الفرح والعطاء.
عندما كنت طفلا، كنت أقرأ لزغلول الدّامور وخليل روكز، وكان التّلفاز بالأبيض والأسود، فننتظر جوقة الزّغلول. في قريتي كان هناك تلفازان فقط، فكان الكبار يجتمعون في هذين البيتين، ونحن الصّغار نشاهد الحفلة من الخارج، كان شعراء الجوقة زغلول الدّامور، زين شعيب، أسعد سعيد، وجون رعد. علمت في يوم أنّهم سيقيمون حفلة زجل في قريتي كفرمتّى، كنت طفلا في العاشرة من عمري، كنت أنتظرهم وكأنّني أنتظر الملائكة لتنزل من السّماء، هذا الطّفل، بكفاحه ومثابرته وبشاعريّته توصّل للجلوس في الكرسي المجاور لزغلول الدّامور مباشرة وأحد أهم أعضاء فرقته، وتبارى مع زين شعيب وأسعد سعيد فحول الزّجل اللّبناني. الموهبة تولد مع الإنسان وهو من يجعلها تموت أو تنمو بالتّصميم والمثابرة.
هذه قصيدة “الشّاعر” من كتاب جولات شاعر.
الشّاعر بدنيا الشّـعر صـوتو ويـن؟ بالرّوح…. بالإحساس…. بالرّنّة
بالآخ…. بالبسمة…. بدموع العين بالنّاي….. بالنّهـدات….. بالعنّة
الشّاعــر بجوّو مـرفرف جناحيــن بيــزرع مـحبّـة وشــكر بيــجنّي
بسحـــر الشّعــر خربط نظام تنين عقّـــــل جهنّم…. شيطــن الجنّة
ولمّا عا هالدّنيـــا انفتـــح عينيـــن وسحــر الخلــق جنّ بفرد جنّــة
وهالأرض مسكونة بمجد صوتين صوت اللّه اللّـي خلــق هالــكون
وصــوت شاعـــر قال نحنا هون لكل شي خلــق اللــه عــم يــغنّي
4- ما الّذي يميّز الشّعر الزّجلي ، وهل الزّجل كلّه إرتجالي؟
يسمّيه البعض الشّعر العامّي، وهذه التّسمية خاطئة، الأصح هو الشّعر المحكي، والشّعر المحكي موجود في كلّ العالم، في البرازيل يوجد شعر محكي، في مصر كتبه الشّاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، في الخليج الشّعر المحكي يسمّى النّبطي. لكن الفرق بين الشّعر المحكي والزّجل، أنّه في الأوّل يوجد كاتب وملحّن ومغنٍّ، مثل الثّنائي الشّهير أحمد فؤاد نجم والشّيخ إمام، أمّا في الزّجل فالشّاعر هو الكاتب والملحّن والمغنّي في آن، فمن شروط الزّجل واستعلاء المنبر، أن يتميّز الشّاعر بصوت أكثر من متوسّط الجودة، أن يتمكّن من الارتجال، وأن يكون حضوره محبّب للجمهور. لذلك تجد الكثير من الشّعراء، ولكن نادرا ما تجد شاعر زجل متميّز.
هناك قصّة شهيرة مع عميد الأدب العربي طه حسين لم يكن يصدق أن شعراء الزجل يرتجلون ما يقولون.
وفي إحدى زياراته لبيروت , دعاه صديق له لحضور حفلة زجل ل “فرقة شحرور الوادي” .
ولما دخل القاعة وكانت الحفلة حامية الوطيس , رحّب أحد الحاضرين من الجمهور بعميد
الأدب العربي قائلا : “أهلا وسهلا ب “طه حسين”.”
هنا أرتجل “الشحرور” بيت شعر على الفور:
أهلا وسهلا بطه حسين
ربــي أعطـانـي عينـيـن
العين الوحـدة بتكفينـي
خد لك عين وخلي عين
واذا بالشاعر “علي الحاج” يرتجل
أهلا وسهلا بطه حسين
بيلزم لك عينيـن أتنيـن
تكـرم شحـرور الـوادي
منـك عيـن ومنـي عيـن
واذا ب “أنيس روحانا” يفاجئ الجميع بإرتجاله هذه الأبيات:
لا تقبـل يـا طـه حسيـن
من كل واحد تاخذ عين
بقدم لـك جـوز عيونـي
هدية لا قرضة ولا دين
ضحك “طه حسين” وضجت القاعة أكثر ولكن بخوف إذ لم يبقى للشاعر الرابع ليقول
لكن “طانيوس عبده” , الشاعر الرابع في جوقة الشحرور , فاجأ “طه حسين” والجمهور بقوله:
ما بيلزمله طه حسيـن
عين ولا أكثر من عين
الله أختصّه بعين العقل
بيقشع فيهـا عالميليـن
5 ما الّذي أضافه إليك بجملة واحدة، الشّعراء:
أ-موسى زغيب
أضاف لي تاريخ خليل روكز لأنّه خليفته، كما أضاف لي كيفيّة إدارة المنبر، فأحيانا قد تجد بعض المشاكل مع الجمهور إذا لم تكن متمكّنا في إدارة الحفل والمنبر وحسن التّصرّف.
ب-طليع حمدان
تشعر مع طليع حمدان بعشق الزّجل وجماله، فحياته كلّها شعر،وإذا لم يكتب قصيدة في الصّباح وأخرى في المساء قد يموت، فالشّعر من أولويّات الحياة لديه، وهو شاعر الغزل
ج-زين شعيب
أضاف لي معنى وأهميّة أن تكون خفيف الظّل على المنبر، فقد كان المنبر لعبة في يديه.
محمد مصطفى شاعر القوافي الضّيّقة
أسعد سعيد شاعر مثقّف
د-زغلول الدّامور
اكتسبت نعومته ودبلوماسيّته وذكاءه، ويعتبر بعد شحرور الوادي من أهم شعراء الزّجل في وقته. وأنا رثيته عند وفاته بقصيدة كانت رثاء لشاعر، لأب، لصديق محب، فقد كان يعني لي الكثير، فقد كان حلمي الطّفولي، وعندما توفّي كنت مرافقا له في فرقته، وكان يقول لي دائما بأنّه نادم بأنّه لم يتعرّف إليّ منذ أربعين عام.
6- أنت الآن رئيس جوقة اللّيالي منذ العام 2009، هل تغيّر الزّجل؟ وما الفرق بين الآن والجّوقات الّتي شاركت بها قبل القرن ال 21؟
العصر القديم في الزّجل كان له أربابه، فقد كان يسمّى جيل العمالقة، فمثلا بعد شحرور الوادي سطع نجم زغلول الدّامور، زين شعيب، أسعد سعيد، جون رعد، محمد مصطفى، أحمد السّيّد، خليل شحرور، موسى زغيب، حنّا موسى، إدوار حرب، طليع حمدان وغيرهم الكثيرين الّذين أعادوا مجد التّراث من خلال غنى و سحر كلماتهم وحضورهم. أمّا شعراء الجيل الجديد فيوجد نوعيّة جيّدة، لكن ليست كالّتي كانت، فعليهم العمل باجتهاد لتحسين وتطوير موهبتهم من خلال القراءة وتثقيف الذّات، لذا فلا أجد سبيلا للمقارنة فيما بين القديم والجديد، مع العلم أنّ وسائل التّواصل الاجتماعي سهّلت الكثير على الشّعراء، فالشّهرة الّتي كان يتعب عليها الشّاعر مدّة عشر سنوات، بات يحصل عليه الآن بأقلّ من سنة.
نحن الآن نشدّ على يد الشّباب للعمل بجهد لإحياء هذا التّراث الخالد، الّذي عايش لبنان، ولن يموت والّذي حملناه نحن كأمانة، عساهم يحافظون عليها.
7- حملت كلمتك وجلت بها في أصقاع العالم، هل الجمهور في البلدان العربيّة يحمل نفس التّفاعل الّذي يحمله المهاجرون؟لماذا برأيك؟
هناك جمهور كبير يطلب الزّجل في الدّول العربيّة كافّة، والدّليل على ذلك كميّة الحفلات الّتي قمنا بها فيها، وكذلك المهاجرين من كلّ الجنسيّات العربيّة وخاصّة من يحملون تراثا مماثلا للتّراث اللّبناني مثل سوريا والأردن وفلسطين والعراق. لكن يلعب لدى المهاجرين عنصر الحنين إلى أرضه، بيئته، ووطنه، دورا هامّا في تعلّقهم بالزّجل.
8-حملت القضيّة الوطنيّة على كاهليك، وكذلك القضيّة الفلسطينيّة، والقضايا العربيّة. كيف ممكن أن تتحدّث في قضايا دون تحيّز.
أيّ شعر يجب أن يكون ملتزما بقضيّة، لكن يجب أن يكون لديه خلفيّة ثقافيّة كي لا يقع في فخّ التّحيّز والعنصريّة، فقد كان بعضهم يغوص في بعض القضايا، فيتأذّون منها، لأنّهم ينقصهم الوعي السّياسي، والشّعراء الملتزمين المثقّفين أقلّيّة مع الأسف.
أنا من الشّعراء الّذين حملوا قضيّة الوطن للجمع وليس للتّفرقة.
لبنان بدنا نرجعو جنّة
يا كون، غصبن عنّك وعنّي
بإيمان حنّا ومصطفى ومعروف
من دون لا جميلة ولا منّة
وبيقلكم شاعر بني معروف
جملة لها وقع ولها رنّة
لو سلّطوا من فوق عنقي سيوف
منشان غنّي لطائفة بلبنان
إلّا لمجد لبنان ما بغنّي..
9- هل أخذت حقّك كشاعر في لبنان من الجمهور؟ من وزارة الثّقافة والجهات المسؤولة؟
لقد أدخلنا في نقابة شعراء الزّجل الشّعراء في مجلس التّعاضد لنعطي ولو القليل من التّأمينات، وزارة الثّقافة تساعد بقدر الإمكان، ونحن في صدد إنشاء صندوق طوارئ كي لا يتعرّض أحد الشّعراء للإهانة أو الذّل في حالة عدم قدرته على العلاج مثلا، لأنّ الفنّانين و الشّعراء في لبنان حقّهم مهدور، وحتّى من وسائل الإعلام الّتي تحوّلت أولويّاتها للإنتاج المادي، فاعتمدت على بثّ برامج هابطة و سخيفة تسعى وراء الرّبح السّريع. لقد قدّمنا منذ فترة في أحد المحطّات التّلفزيونيّة برنامجا، لكنّه لم يطل الأمر حتّى توقّف.
10-حدّثنا عن دواوينك: حوار الأجيال، جولات شاعر، من ضيعتي، ومع كلّ ديوان تتحدّث عنه قصيدتك المفضّلة فيه.
لكلّ كتاب من كتبي لونا مختلفا، في كتابي الأوّل شعلة المنابر، تحدّثت فيه عن نشأتي وبداياتي.
كتابي الثّاني، جولات شاعر يتضمّن كل أنواع الزّجل، مثل الحوارات، الشّروقي، الغزل، الوطنيّات.
كتابي الثّالث، حوار الأجيال ويتضمّن المباريات مع كبار شعراء الزّجل في لبنان، مع زغلول الدّامور، مع موسى زغيب، مع زين شعيب، مع طليع حمدان، مع أسعد سعيد، مع أحمد السّيد، مع خليل شحرور، مع محمّد مصطفى.
وآخر كتاب لي بعنوان من ضيعتي ( كفرمتّى) تضمّن كلّ ما كتبت من خمسين عام للآن عن قريتي والمناسبات الّتي أقيمت فيها، من أفراح وأتراح ومهرجانات.
12- هل من كلمة تريد توجيهها للقارئ العربيّ من خلال مجلّتنا مجلّة أزهار الحرف الصّادرة عن ملتقى الشّعراء العرب؟
تحيّة لكِ عزيزتي عبير عربيد وتحيّة لكلّ قارئ عربيّ ولكلّ المهتمّين بأمور الثّقافة والشّعر والأدب لأن الإنسان لا يجد نفسه إلّا مع من يشبهه باهتماماته، فلكلّ الشّعراء والأدباء والكتّاب العرب المهتمّين كل الشّكر والاحترام لسعيكم كي تبقى الرّوح الأصيلة متواجدة في كلّ العالم.
كما أشكر مجلّة أزهار الحرف لنشر الثّقافة العامّة والتّشجيع على المطالعة والقراءة.
عبير عربيد
عضو اللجنة العليا بملتقى الشعراء العرب
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي