صحوة الرفيق
رفيقي (عمر) منذ الصغر، يقاربني في العمر ، يشاركني الفكر، كنا معا على مقعد الدراسة . لا أنسى زيارتي له و نحن في الصف الثالث الأبتدائي عند رؤيته يبكي و دموعه السخية تنساب على خديه و يتمتم بشفتيه .. أبي أبي يا (عادل)، لم أعد أراه، و لم يعد يسمعني مهما ناديته (بابا). وقتها لم يكن لدي سوى دموعي التي سالت هي الأخرى. تعاطفت معه كثيرا، حتى أنني لم أعد أخالفه في معظم الأحيان، وباتت الأيام تطوي عمرنا جهرا وسرا.
و ها نحن في الخامسة عشر من العمر، إنه عمر الزهور و خطر البكور. رفيقي أصبح من عشاق الليل و السهر، و الليل يحتاج لرفيق يتقن السهر و كنت أنا الأحسن لعمر . جلساتنا الطويلة جمالها يكمن في قرفصة على الرصيف يشدنا الحديث فيطول لديه السرد و يحلو له نسج البطولات و بث الأحلام، و أنا بدوري على ضوء القمر أشاركه أحيانا بابتسامة خاطفة و أخرى بضحكة ساخرة و لم يخف علي لون وجهه الأصفر و رقة جسمه النحيل و شكواه الدائمة من وجع في رأسه. لذلك كانت عاطفتي و حسي له بأنه الرفيق اليتيم المحتاج ليد العون.
كم طال لقاؤنا على ناصية الطريق و النعاس يغالبنا وعمر يسامرنا و يقول خذ يا عادل .. جرب اشرب تذوق كأسا صغيرا … اترعه انه لذيذ، يروح عن النفس و يسعدها. لم أكن أصدق ما أسمعه.. غير أنني بدأت ألين … و عاطفتي كرست مشاعرها لتتآلف مع عمر و لتشاركه ولو بشيء قليل.
لا بأس يا صديقي .. سأجرب .. فالحكم على الشيء لا يتم الا بالتجربة ، و من حضر السوق باع و اشترى.
أه … لذيذ ما تناولت، و ألذ منه أننا معا دائما ……….. لكن الى أين ؟؟؟
كأس أخذني لعالم آخر لا أستطيع وصفه، رباه … رباه … مازلت في مقتبل العمر، لماذا لا أرى إلا الظلام ؟! و لا أنام إلا بين الركام، وعيناي شاخصتان تلامس الأحزان و تداعب الأوهام … رباه هل أنا من … ؟ أم هو …؟ سؤال يراودني و لا أدرك الصواب.
صوت من بعيد أيقظ ضميري و نبه وجداني، إنه … الله أكبر …. الله أكبر .. حي على الصلاة … حي على الفلاح….
ثارت و تحركت المشاعر و تنبه الضمير و بات العقل يحكم كالأمير … يا (عمر) كف عن السهر…. و احذر السمر… فيد الخالق ابدعت القدر.
الشيطان وسواس حتى القبر، فاجعل الصبر يزيل القهر.. و عد لرب العباد و البشر … نقيا، صافيا، عفيفا كالبدر……. و قل ربي سامح البشر.
جمال عبيد
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي