قرة عيني
أمي لك ذكرى في قلبي، ومنزلة في فؤادي يهفو لها دوما ويستعر، أي حب يا أمي يغمرني؟ وأي ذكرى لها الأثر، و في قلبك الحنان والأمل.
كم كان جمالك يلفت النظر، لك طلة وقار وهيبة، مبسمك تغرد له البلابل.. عيناك الواسعتان فيهما بريق يوحي بذكاء فطري لا يعلمه إلا الله.
والدي بأرض القدس قد استشهد.. و أصيب أخي الوحيد في عينيه ففقد بصره، برصاصة غدر جعلته مجال سخرية من أطفال الحي، لقد تحملت والدتي مسؤولية العيش فكانت تغدو مع الأطيار صباحا لتجمع الورد والأزهار وتبيعها في السوق، فتسد حاجتها بقسم والآخر تدخره. ويظل أخي قابعا في زوايا البيت ينتظرها بصمت وعلائم الكدر تظهر على وجهه، ومع الأيام أصبح الألم يكويه عندما يتذكر ما يسمعه أثناء خروجه من البيت.
وفي أحد الأيام جاء أخي مسرعا إلى حضن أمي ، كتائه قائلا “يا أم .. سمعت اليوم معجزة أن في الدير آس له من فعله عبر فقد يعيد لي بصري وحسني.. وأنني إلى النور أنفطر”، فسال دمع والدتي بغزارة، وتوقد الجمر في الصدر من الخبر ثم ضمته بين يديها مذهولة.
“ابني لبيك يا كبدي يا شعلة النور في الظلماء يا قمر. لا عاش لي عمر إن أحجمت عن طلب لك حتى النجوم إذا أردت يا ولدي.”
سارا معا حتى أطلا على دير فيه آس.. كهل و قور ، ألقت أمي التحية على الطبيب بصوت فيه شجن ودمعها ينهمر، رقت جوانح الطبيب وقال لها: “هات أخبريني ماذا حدث له؟”، “ابني ياطبيب، ابني أبوه بأرض القدس قد استشهد غدرا.. وولدي الوحيد ربيته وأرضعته لبنا صافيا عربيا لا يعرف الغدر، وقد غدره العدو.”
أعجب الطبيب من كلام الأم قائلا لها: إن شئت أن يبصر ليس له ألا عيون امرئ لم يمسها الضرر، وأنت يا أختي ما زلت صبية بعمر الزهور، عيناك أجمل رسم خط به خالقنا، أخاف أن ينطفئ كوكب أو يختفي السحر. علا صوتها و بعزم قالت: هذي عيناي افعل بهما ما شئت. أعجب الطبيب وحيا والدتي تحية إجلال وتقدير، وقال: إذا فليكن لك عين وله عين.
“القسمة العدل حتى في نواظرها.. من عطفها فهما الشمس و القمر.”
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي