الشيب
أصحو باكرا كعادتي، أستقبل الصباح بوجهه الوضاح، وكلي أمل أن يحمل بين طياته الخير والجمال ليبث الحب والحنان.
كل يوم لي وقفة أمام مرآتي أصبِّحها بابتسامة عريضة متمتمة شكرا لرب العالمين وأتأمل وجهي مليا لأستقرأ المستقبل.
أيتها المرآة، أريد أن أودع أسراري لديك.
تفاجأت اليوم أن زحفا من الجنود البيض قد غزو فروة رأسي وجالوا شرقا وغربا دون استئذان، و هي أشبه بسيوف لامعة كشرارة البرق في الليلة الظلماء تتوضع بين خصيلات شعري وقد جردت من غمدها لتنذرني باقتراب الأجل.
أيتها المرآة .. كيف لك أن تدعي (الوصف) يعبث كما يشاء، ألا تعلمين أنه سريع الانتشار بما يزيد عن الوصف.
مرآتي الغالية .. أفيديني، كيف لي أن أتخلص منه ؟! إن نزعه من مكانه غير مجد، لأنه ما يلبث أن يعود ثانية، ولا أحب أن أحمّل نفسي وجع الشيب وقلق الكذب.
ها أنا أعود إليك بقول الشاعر (أبو الفضل النيسابوري)
تنفس صبح الشيب في ليل عارض ……. فقلت عساه يكتفي بعذاري
المرآة …
يا صديقتي، أبدًا لن أقاطعك الحديث بل اسمحي لي أن أجيب وبصدق كما عهدتني.
إذا كان رسول الموت يمثله (الوصف) فليكن وسنقبله طوعا.. فقضاء ربك لا مرد له.
وإن كانت نيته حسنة، وأراد أن يحميك من رؤية هذا العالم المملوء بالآثام، الحافل بالآلام.
صديق يغدر صديقه، أخ يخون أخاه، غني يضن على الفقير بفتات مائدته، مسؤول قد تخلى عن رعيته، فما لك إلا الاعتذار عما أسأت إليه …عتبك .. واستثقال ظله.
حقا أيتها المرآة قد تغيب الحقيقة عن المرء أحيانا ولا يراها، ولكنها تبقى ثابتة قوية واضحة تنتظر الزمان والمكان لتحقق ذاتها من جديد.
ها أنا عدت إلى حقيقتي أيها (الوصف) هنيئا لك رأسي مرتعا.
و كما قال آخر:
زرع الشيب بفودي كما …………… يزرع الفلاح حقل السنبل
فحصيد الحقل حب نافع ………………. وحصيد الشيب فكر منجل
وقد ترنم ناظم الغزالي بقول الشاعر الحمصي أمين الجندي:
عيرتني بالشيب وهو وقار……… ليتها عيرت بما هو عار
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي