الحمامة البيضاء
شرفتي تطل على روضة واسعة جميلة المنظر، أشجارها الباسقة خضراء يانعة، ورودها متنوعة بألوانها وأشكالها، السرور والارتياح بالنفس، و صدى هديل الحمام يدندن أجمل الألحان. لم يخطئ شاعرنا (بشاربن برد) حين قال: (والأذن تعشق قبل العين أحيانا).
يا لجمال الطبيعة عندما نوسع رؤيتنا ونطلق عنان خيالنا يجول على غاربه ليصور ويلون ويبدع بما راّه . إطلالتي من الشرفة طالت وأنا أتأمل إبداع الخالق في صنعه (وله في خلقه شؤون) .. كل شىء منظم ودقيق، السماء ترحب بطيورها، والأشجار تفرش زنودها لأعشاش الحمام.
في العش (زغاليل) لا أعرف عددها والحمامة البيضاء تروح وتجىء ذهابا وإيابا لتحرس عشها ثم تحلق متجهة نحوي، ظننتها زائرتي، وإذ بها تعكف بسرعة باتجاه العش تحوم حوله بقلق وحيرة تتفقد زغاليلها.
ودعت أفراخها وبقي نظري يلاحقها وهي تدور بحيرة حول عشها تصدر هديلا مبحوحا، كم تمنيت أن استطيع الترجمة. سمعت صوت نعيق قادم من بعيد، نعيق مكفن بسواد حالك، إنه الغراب يترنح في السما مترصدا، ترى هل يستطيع الاقتراب ؟؟
حماماتنا البيضاء، لم يبطل هديلها المبحوح والذي نبه أسراب الحمام للمساعدة.. مجموعة من الطيور تشكل سربا أحاط بالعش فاردة أجنحتها لتخفي العش عن بصر الغراب، فكان النصر حليفهم. (حقا أن يد الله مع الجماعة).
الحمامة البيضاء، انفرجت أساريرها و طاب حسها لتعود لمسؤولياتها في تعليم أفراخها كيفية الطيران. لقد أمسكت أحد الزغاليل بمنقارها و ألقته بعزم في الهواء الطلق (الأم لا تقسو على أبنائها ولكن قد تكون القسوة أفضل من اللين أحيانا.)
“يا بني لا تلمني .. إن نور الحياة يحتاج عزما مثلما.. السيف للخطوب تعرى”
وها هو شاعرنا أبو القاسم الشابي يحلق في السماء قائلا :
سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعداءِ … كالنَّسْر فوقَ القِمَّةِ الشَّمَّاءِ
أرْنُو إلى الشَّمْسِ المُضِيئةِ هازِئاً … بالسُّحْبِ والأَمطارِ والأَنواءِ.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي