في المقهى أجلس
ويجلسُ إليَّ طيفُك..
ينظرُ إليَّ نادلٌ يجتاح بعضُ الصلع رأسه.
النادل الناحل يتابع صبَّ الشاي خلف (البار) مُستغربًا تحديقي فيه.
لكنني -أنا- لا أراه..
لا شيء يملأ مكان عينيك.
وبما أنَّه لا يعلم كم يشبهك،
سأسترق الحنين كما يحلو لي.
وبما انَّ “وقت القهوة ليس الصباح..
إنّ القهوة علاجنا المُفترض
عند تصَدُّع الأرواح”،
قرَّرتُ طلب القهوة، وأنا التي لا أتناولها، لا لشيءٍ إلَّا مناكفةً للشاي بنكهة القرفة والذكريات.
وبما أنَّ “الأدب عَوَضُنا عن الميتات الكثيرة التي متناها في حياةٍ واحدة”، أمسكتُ طرف قلمي في تكاسلٍ ورُحتُ أخبرُك:
أتدركُ كيف يهمي بقلبي وروحي المطر؟
أَشطُب.. أَكتُب:
أعدُّ بَعدَكَ خسائري.
وهي تعدُّ ما تبقى من دمي.
الحمائم البيضاء التي ارتحلت عن سطوح فجرنا.
فنجانك الذي انتحر شظايا قبل مجيئك المزعوم.
وأنا وبريق عينيَّ.
حتى تلك الندبة التي كنت تعشق كيف تظهر بين حاجبيَّ عند التأثر لم أرها منذ رحيلك!!
وإن كنت تسأل، فأنا ما زلتُ “أتلمَّسُ الحركات لإعراب وقتي في غيابك كأعشى يتحسس عينيه في الظلام”.
أمَّا أنا، فلا أسأل مُطلقًا لأنني أعي تمامًا أنَّ “الوقت عرَّابُ الصمت”.
هل صدَّقتَ أنَّ قلبًا يتَّسع لاثنين!؟ هل صدَّقت أنَّ حياةً تُستأنف لِسواك!؟
ها هي بيروت تُمطِر سدًى؛ فلا عشَّاق يبعثرون بأرجلهم الأرصفة المُبتلَّة ويُقلقون راحة أضواء المساء ويعيدون صياغة رائحة التراب مجبولًا بصوت فيروز، ولا مقهى الرصيف يحتال بارتجاف ضوءٍ أخير ليصطاد حَكاياهم. أغمضَ أخشابَه كلاجئٍ لأسبابٍ سياسية قد مَزَّق منذ دهرٍ قلبَه والهوية.
ها نحن عاطلان عن النفَس. تمرُّ بنا كلُّ المناظر والمشاهد رماديةً. تخترقنا شبحين رمتهما الحياة وعافهما الموت.
فهل كُتبَ لنا ألَّا نلتقي إلَّا بين دفَّتَي كتاب!!!؟
أم أنني ظننتُكَ يومًا مرئيًّا وظننتُ أنني ربَّتتُ على الوجع العاشر في روحك!؟
عبير (أو قرنفلة/ فراشتي/زينة كما كنتَ تناديني)
فجميعها باتت أسماءً لموتٍ واحد.
- ما وردَ بين مزدوجين اقتباسات من نصوص وقصائد نثرية سابقة لي.
اللوحة من إبداع الفنان المتفرِّد، صديقي "جهاد كدم"
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي