ميلاد ..!
قصة قصيرة
لماهر محمد عطاء
نام الليل على أرصفة المدينة .. وعلا شخير الضوء في جنبات الشارع الخلفي ..أتقرفص على زاوية الغرفة المثقلة بالصمت .. أحمل تفكيري من ركنها المظلم وأمشي به صوب الأمس .. تلك الغرفة الصغيرة دائماً تنام مع ألمي بالرغم من ارتسام الملل على جدرانها إلا أنها تحملتني على مضض .. كلما أشعلت المصباح تضاءل في تلك الزاوية إلى أن يموت داخل عينيّ .. هذه المرة حاولت أن أحرق لهيب ذكرياتي وأشعلها للأبد .. تعمدت ألا أترك بصيص ضوء في تلك الزاوية .. عزلت كل الأضواء منها .. أرتكنت بجسدي فيها .. جاهداً اتكأت على دمعة يتيمة سرعان ما قُتلت في خدي .. نهضت .. تقهقرت .. مشيت .. فتحت باب غرفتي الموصد بإحكام .. خرجت .. إلتفت وبحركة سريعة للخلف لألمح ظل منزلنا الذي دفن ظلي .. إن نوافذه لا تبكي ضوءاً .. إنها نائمة بحرية مطلقة حتى في هذا الليل .. قلتها وأنا أتصعد ببصري المنزل .
السكون يرافق الطرقات .. وتلك المنازل ترقد بهدوء .. أحث الخطى .. أتأبط صمتاً ثقيلاً .. أقدامي تعرف الطريق جيداً بيد أني لا أعرف أين أمشي معها .. إلا أنني أجزم بأنني أحمل تلك الأفكار الميتة معي .. الشوارع لا تحمل أي أثارٍ لأقدام أيٍ من البشر في هذا الوقت .. البنايات تحاصر الطريق ولكن بعضها أخذت ترمي نورها من جدرانها المتلاصقة لتسقي طرقها بلطف .. الليل المبلل بالأضواء يسامر قمراً يكحل سماءه .. لازلت ذلك المتيم بالأمل ، لم تكسر ريعان حلمي قساوة الأيام ، ولم أتعلم أبداً أن أتمرد على أفكاري .. هذه المرة سأمضي بسحنتي العشرينية السمراء .. ووجهي الذي لم أعره لأحد ، ووسط هذه الأنوار التي تنغرس في عينيّ وتموت في شفتي بألا أرجع لزاوية غرفتي إلا بأملٍ يضيء أركانها المتوجعة .. قامتي الطويلة لم يحدودب ظلها أبداً .. بريق النجوم في عينيّ .. وقفت قدميّ هناك .. عرفت المكان جيداً بالرغم من وجوده بين الجنبات المتكدسة بالوحل .. إلا أنه المكان الوحيد الذي تقذف فيه الأمنيات السوداء ..
أضع برفق ما أحمله معي في مكان قريب منها .. أحفر .. أحفر وأحفر .. أزجها في أحشاء الأرض الملتهبة .. أدفنها .. وقبل أن أعطيها ظهري دست أعقاب الماضي بحذائي الضيق ..
تنفست الصعداء .. سحبت نظري في السماء وأنا أشق بابتسامتي ليلاً يبلله ضوئي .. !
..
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي