الحوار
١- كيف جعلتك القصيدة تبوحين بمكنونات روحك على الورق ؟
ج- الشعر في الأصل بوح وحالة وجدانية يعبر فيها الشاعر عن مكنونات نفسه وما يطرأ على حياته من أعاصير وأنسام:
يا شعر أنت مترجم خفقات قلب الشاعر
الشعر أنس وروح توازي روح الإنسان تعبر عما يجيش بصدره وتجوب آفاق الوجود فتجعل الوجدان وارفة بالنغم وهذا هو الفرق بين الشاعر وغير الشاعر الشاعر يستطيع أن يعبر عما بداخله ويصوّر آفاق الوجود ويترجم أحاسيس القلوب وينوّر الوجدان ويلوّح برايات السلام ويسمو بالمعاني ويطهر النفوس وينتصر للحب
٢- حديثنا عن تجربتك الصحفية كونك مديرة تحرير مجلة أزهار الحرف الصادرة من مصر ويرأسها الاديب والشاعر ناصر رمضان
ج- تجربتي جاءت على غير المتوقع حين أنبثق عن ملتقى الشعراء العرب (مجلة أزهار الحرف) الذي أسسه الشاعر: ناصر رمضان عبد الحميد مع مجموعة من الشعراء والشاعرات فكلفني الصديق الشاعر: ناصر رمضان بمنصب مديرة التحرير ومنصب مديرة التحرير هو الذي يقوم بمراجعة اليوميات قبل نشرها والتأكد من صحة الأخبار مع عمل أرشيف يومي وشهري ولدينا ما يشبه الديسك المركزي نراجع فيه العناوين العريضة والمقالات والحوارات قبل إرسالها إلى المصممة والحقيقة هو عمل جديد عليّ لكن مع الوقت تعلمت فنون العمل وأتمنى أن أكون على قدر المسؤولية(وساعدني الشاعر :ناصر رمضان بخبرته وعمله الطويل بالصحافة)
٣- ماذا كتب قلمك للبنان الذي أنهكته هذه الفترة في شتى المجالات ؟
أحب أن تشاركينا بعض مناجاتك للوطن
ج- كتبت للبنان الكثير من الشعر بل لبنان هو ملهمي الأول ولذلك جاء ديواني( متعب وجه الوطن) معبراً عن حالة الوطن وقصائدي الجديدة التي سيضمها ديواني الجديد مشبع بلبنان، حتى كتابي الأخير الذي صدر في مصر ” شعراء من لبنان” ذيلته بأبيات عن لبنان
والحقيقة أن وضع لبنان يلهم الشاعر ويحركه رغم عن أنفه، والتأثير واضح، حتى الغني والفقير صارا يشعران بما لا يطاق ولا يُصدق وفي غياب الأمان والشعور بالراحة لا بد للشاعر أن يكتب فالشاعر في الأصل يحمل قضية، وفكر وحتى إذا كان هناك من لا يشعر بالضيق المالي نظرا لوضعه المادي المميز، لكنه أيضا مهموم بهموم الوطن :
لا مال في هذه الدنيا ولا الولد
بمسعد الفرد إن لم تسعد البلد
٤- وقعت كتابك الأخير في معرض بيروت الدولي للكتاب لهذا العام
حديثنا عن هذه التجربة وهل لمست بارقة أمل أن بيروت ما زالت رغم نزفها عاصمة شرعية للثقافة؟
ج- للحقيقة كانت تجربة جديدة ومفيدة فبالنسبة لكونها مفيدة جعلتني أتعرف على معرض الكتاب أكثر والاقتراب من الشعراء والكتّاب وبالنسبة لكونها جديدة أنني أكتشفت أن معظم الاصدقاء ليسوا بأصدقاء وأن أغلب من دعوتهم لم يلبوا الدعوة ظانين أنهم بذلك يثبطون عزيمتي، أو ربما في ظنهم أنني سأتراجع، لكن الشاعر الحقيقي هو من يستمر(والنجاح استمرار) ويثبت ذاته ولا ينظر خلفه فلذلك كانت تجربة جديدة ومفيدة علمتني أن أقف مغردةً حتى لو كنت بمفردي لذلك. خرجت من معرض الكتاب أكثر قوة وطبعت مجموعة قصصية بعنوان (رفيقة العمر) وكتاب ” شعراء من لبنان” وسيصدر قريبا ديواني الجديد
وربما لأني لا أجيد فن (الشللية).
نعم بيروت ما زالت عاصمة الثقافة والإبداع رغم بعض الملاحظات على المعرض والظروف الأقتصادية التي تمر بها البلاد إلا أن لبنان ما زال بخير، كما لاحظت أن الكثير من المثقفين والناشرين العرب كانوا حاضرين وبقوة وكأنهم يرددون :
حملت منك الهوى والشوق ألوانا
وطرت في لهفة عانقت لبنانا
٥- فرادة الشعر تكمن في قدرته على اكتناز مشاعرنا ومشاعر الآخرين في آن
هل برأيك تستطيع القصيدة مداواة ما نشعر به من حزن وألم ؟
ج- الشعر في الأصل تطهير ونوع من البوح تجعل الإنسان في عزلة نوعاً ما بعيداً عن الضجيج والزحام والرأسمالية وتجعل الإنسان يحلّق بروحه، وينظر للأمور بشكل مختلف. الشعر في الأصل فكر فالشاعر يرجو من شعره ” مجازاً”
أن يحيل النحس سعدا
ويحيل القول أنغاماً وأنساماً وشهداً
٦- همسة في أذن الحقيقة
هل أنت مع القصيدة الغزلية التي تكتبها المرأة للرجل ؟
ج- نعم فالغزل أحد موضوعات الشعر المهمة بل هو العامود الفقري للشعر بل إن الشعر في الأساس قام على الغزل فإذا كان مسموحا للرجل أن يتغزل بالمرأة فلماذا هو حرام على المرأة والذي يطالع شعر ولاّدة بنت المستكفي يجد قمة الجمال والابداع وهناك ديوان قرأته حديثا بعنوان ” عزف لا يطرب النساء ” للشاعرة الراحلة سامية عبد السلام
أهداني أياه صديقي الشاعر :ناصر رمضان
وسامية عبد السلام شاعرة مصرية تفوق الوصف
تقول :
مشغولة
مشغولة .. شغلى الرجل
هذا الغريب
وهو المسافر فى دمى
ويعيش داخل أضلعى
ويقطر الاشواق خمرا فى فمى
هذا الرجل
بحر عميق أرتمى فى زرقته
يغتالنى .. ويضمنى
وأعود من غرقى الملم نشوتى
وانوثتى
هذا الرجل
غابات عشق تحتوينى .. أرتجف
والقلب منى ينخطف
قد نلتقى .. قد نفترق
لكننا .. لا نختلف
أيامنا نشوى .. تدندن بيننا
آه لنا
فى لحظة للمبتدا .. والمنتهى
تبا لها
تجتاحنا
وتدغدغ الإحساس منا .. والنهى
هذا الرجل
كون يضم براءتى .. وشراستى
ويحبنى حين الجموح .. سفينته
وأحبه عند اشتعالى
جنتى
ولها قصيدة من أجمل وأمتع قصائد الشعر العربي المعاصر سأذكرها هنا للفائدة:
قل للمليحة فى الخمار الأسود
فتك الجمال بزاهد متهجد
سحر ترشرشه الأنوثة تبتهل
يمنحك ربك سرها ولتهتد
وهل الصلاة بمانع للعشق
هل نبض القلوب خيارنا أو باليد
بى لهفة يا شيخنا لكننى
لا أنحنى للخافق المتمرد
ما كنت وحدك عاشقا فى دربنا
فالعشق أضنانى وصار مسهدى
أخفيت فى سترى جميع مفاتنى
ورجوت حلمى أن يحلق فى الغد
هل للنساء الحق فى خوض الهوى
أم أنهن مكاحل للمـرود
لو أننى أطلقت شعرى هاهنا
لارتاح صدرى من غرام مرعد
فالقلب معتصر وعندى لوعة
والشوق يدعونى لدفء الموعد
لكننى والقيد قـيد أنوثتى
كبلت وجدى بالحياء وباليد
لا أشتهى شيئا لشيء هالك
لكن أوردتى تجيش فأغتدى
طير يحوم فى فضائك سابحا
خفض الجناح بشوقه المتردد
يا من جذبت الروح ثم تركتها
وجلست ترنو فى هدوء الزاهد
الروح هامت فرحابك ترتوى
حسنا ونورا من جبين ساجد
يا ويح أيامى إذا ضاعت سدى
لم أبتهل يوما بحضن المسجد
كل الحكايا فى العيون تجمعت
فأرى بنظرتك العميقة موعدى
هذى المودة بيننا لا تنتهى
قيد الاهى عميق السرمد
و لسوف يعطيك الإله فترتضى
شهدا غفا فى نبع هذا المورد
يا من فتنت بجيدنا لما بدا
أنا فتـنا مثلكم بالأسود
قد كلل الرأس الذكى بسطوة
لا تحتفى بالوجد أو بالواجد
غابات ليل فى قميصك تختفى
و تطل عفوا فى وضوء الساعد
أحببت فيك رجولة لما بدت
مشكاة دفء باهر متورد
ماذا وراءك إننى لن أحتمل
إن اكتمالك فى بهائك حاشدى
فأسيل غيما أحرقته مواجد
وهوى طريحا عند باب المسجد
إنى رجوتك عاذلى فلتنسنى
فالسقم مزقنى وصار معاودى
ما كنت أدرى بالغرام مواجعا
و دمـوع بين تستبيح مواردى
لكنه العشق المبرح فى دمى
فتن الفؤاد بقاهر متشدد
ما ذنب قلبى أن يهيم فلا يعى
ويذوب عشقا فى رحاب المعـبد
وسجدت قلبا خاشعا لكننى
ما عدت أمتلك المشاعر فى يدى .
٧- يقول العالم الكيميائي أحمد زويل لا يمكن أن يبدع الخائفون
هل يحق للشاعر أن يخاف أو أن امتشاقه للفلم يخيف؟
أو يجب أن يخيف ؟
ج- أولاً الخوف يدمر للابداع
والمبدع الحقيقي يرتدي ثوب القوة لأنه بشعره يفتح للوجود آفاقاً رحبه وينير الطريق ويصوّر الوجود في أحسن صورة يريدها لنفسه ولوطنه أما أنه يخيف كصاحب قلم فهذا ليس دوره فالشعر تنويري ، وتثقيفي، وتسجيلي فقديماً كان للشعر وظيفة إعلامية والآن مع تعدد وسائل الإعلام وعصر الصورة أصبح دوره تثقيفي فقط من حيث اللغة والبلاغة والتحفيز على الخير والعدل والجمال
٨- لديك ديوان شعري قيد الطبع ، ما هي الرسالة التي يتضمنها وما الجديد الذي يميزه عن دواوينك السابقة ؟
ج- أولا لا أؤمن بكلمة رسالة فالشعر إمتاع ويختلف عما قبله من حيث نضج التجربة واكتمال المعاني والتطور والذي سيطالعه ويقارن بينه وبين ديواني الاول سيجد أن هناك فرقاً شاسعاً
والشاعر الذي لا يتطور لن يصل إلى الناس.
٩- لماذا الانتقال من الشعر إلى القصة ؟
ج- القصة والشعر كلاهما حالة وجدانية يعبر فيها الأديب عن ما بداخله نغماً او سرداً والمرأة بطبعها حكائة وتعشق القصة وهي تجربة جديدة لجأت إليها وتركت الشعر لفترة لأنني شعرت إن ما اكتبه فيه شيئ من الإعادة وليس فيه ما أصبو إليه، فاعطيت لنفسي فترة من النقاهة والتريًس
وأثمرت هذه الفترة مجموعة قصصية أتمنى أن تحظى بالقبول لدى القارئ.
١٠- كتاب شعراء من لبنان، ما الدافع إلى كتابته في هذا الوقت؟
ج- الدافع عدة أمور :
- أخراج وجه لبنان الحقيقي للناس وإننا بلد الشعر والشعراء والجمال والإبداع وإننا بلد بعيد عن الصراعات و الطائفية والعزلة
- تسليط الضوء على شعراء بلدي الذين ربما لم يعرفهم أحد حتى الكثير من الشعراء
- أردت أن اقول لهذا الجيل من الشعراء عليك أن تقرأ للشعر الحقيقي وألا تكون معزولاً عن التراث الأدبي بحجة التجديد
فأنا اذا ما سكنت في قصر منيف
هل يعني ذلك أن
أنسى بيت جدي
١١- أترك لك الختام مع قصيدة تهدينها لقراء كواليس .
ج_
قصيدتي بعنوني
أنت لحنٌ عبقري
كم تجادلنا سويا
وافترقنا للقاء
كم تشاجرنا بحب
كم سكرنا بانتشاء
كم تحاورنا بشعر
وتسامرنا غناء
كم تعذبنا بظلم
من بعاد وعناء
وتلاقينا بشوق
مثل ظمآن لماء
وتراقصنا سرورا
بين أغصان وضاء
بلسم أنت لصب
فيه للعاني شفاء
أنت لحن عبقري
يتهادى في الفضاء
أنت للروض زهور
تملأ الأرض عطاء
ليته يعلم أني
بالهوى قلبي أضاء
تخرج الأشعار مني
كتجوم في السماء
تمنح الأطيار لحني
بين آهات المساء
وتزيد الكون سحرا
بالرؤى عند اللقاء
فأغفر اللهم ذنبي
بعد لوعات الشقاء
وأنر بالحب دربي
والمنى تغدو سناء
وأعد للقلب حبي
يا مجيبا للدعاء
وأمنح العشاق دوما
كل أسباب الهناء
_
في النهاية اشكرك صديقتي المبدعة :رانية مرعي
كما أشكر كادر مجلة كواليس لهم ولك كل الود
تحياتي والورد
حاورتها من لبنان
رانية مرعي
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي