شهوانيّة الحرف في ديوان “مرفأ الأحلام” لعبير عربيد
تمضي عبير عربيد في ديوانها “مرفأ الأحلام”، الصادر ضمن منشورات اسكرايب للنشر والتوزيع، إلى غواية الشعر داخل الخيال، حتّى يستحيل الرحيل الّذي جمعت أحرفه بغصّة قلب، وتثور المعاني وتحطّم الصواري.
ديوان مثير لشاعرة حالمة كالغروب، شهوانيّة الحرف كفرح عصفور عند الصباح. لا يكاد البصر يسير فضولًا لقراءة ديوانها، حتى يضّجع في مركب لا يبحر داخل “مرفأ الأحلام” بانتظار إبحار لن يتم.
الورق الأبيض لا يرتوي من نزف الحبر على عذريته، إلّا عندما يُغمَّس بجرح العنفوان، حينها نقرأ سطورًا كتبتها المراكب الراسية على صفحات المياه الحالمة بلقاء الرياح: “فجرحي علمني القوة/ نزفي ثار بعنفوان/ مآسيّ أمواج/ بنيت بوجهها سدّا/ فغدت لسفينتي/ مرفأ الأحلام” (صفحة ٢٦). شاعرة، أفردت جناحيها إلى ما يصبو إليه الرجاء الطافح في الصدر، فهل ذاقت طعم طهارة الثلج، من ذنوب لم تقترفها أشجار الخريف، على تخوم الغابة المهجورة؟: “سكن الخريف أشجاري/ تراكمت الثلوج/ في ذاك الفؤاد” (صفحة ٢٧).
عندما نوصد أبواب الأمل في ترحالنا، ويُقفل درج السماء أمام ابتهالات الواعظين، هل نصبح عاجزين عن استرجاع عوالمنا المسلوبة من مدار الظلم والظلمة، وهل نتنازل عن حقّنا في الحياة، ونصبح قدرًا أو صدفة؟: “هل يتقبَّل الأمل/ من جديد التّخاذل/ هل يعود خفقان قلب الحياة/ إلى التثاقل؟/ هل يطفئ النّور أضواءه/ ويُقدّم للظّلم والظّلمة التّنازل؟” (صفحة ٣٣).
ينسكب الدمع من مآقي الليل، يزنّر الأرض بحسرة الصدى، يسكب البؤس على وجه الحياة أشجان ألمٍ تمتد في ثنايا الروح، فهل يعاود الحبّ زرع قلادة الفجر البهي عند شرفة العينين؟: “ماذا تعني كلّ السعادة،/ أيّها الرجل الملعون؟/ غير سرير ووسادة،…” (صفحة ٧٠).
تمخر العاصفة بصوتها، ويهطل المطر، يتسلّل إلى أوراقها. فكيف يحلم الحبيب بالوصال؟ وإذا سجن العاصفة في قفص، فماذا يفعل بالبرق؟ فالغيوم لا تنزف بصمت!: “إصدح يا صوتي/ إصدح بجرأة/ إصدح بقوّة/ كرعد يشقّ الصّمت/ في الليالي الباردة…” (صفحة ٦٧).
الرماد يطوي العواصم، والقرى في أعين الغربان. والشاعرة كالطفل الذي يبحث عن وطن في علبة كبريت حالمًا بوطن سعيد. ففي داخل هذه المعمعة، امتشقت عزيمة الحياة ونشرتها على امتداد الجرح: “قم يا شعبي من تحت الرّكام/ كن جدارا في وجه الفساد/ كن نحلة لا تكلّ/ كن فراشة،/ من الدّوران لا تملّ.” (صفحة ٩٥).
عربيديّة، رقصت في معبد الحبّ على نار الجوى، وجمر الصفاء: “يأسرني سحرك/ من أعلى سماء ترميني/ فأعاود اعتناقك/ تغريني/ وتغويني” (صفحة ٧٧). وامتثلت للوطنية الحقّة امتثالًا حقيقيًّا لانتماء قويم، فلم تهب الخوف من ردّة فكريّة أو سلوك شائن، وكانت كلّما ترنّحت عشقًا للوطن، هبّ نسيم فتاة معطّرة تلهو في الخيال : “ماذا دهاك يا وطني؟/ فقد كنت حلمًا/ كفتاة عشرينية” /صفحة ١٢٠)، “سيشقّ أرزك صخور الألم” (صفحة ١١٦).
حين نقرأ الديوان، يتأكّد لنا أنّ الشّاعرة لن تنسحب من مائدة الوطن قبل أن تحطّم آنيتها على رأس من تخاذل. فيا امرأة! لا تستقيلي من فرحك، واجعلي الرّضا كما دائمًا منحة الحياة!
إذا كنت عاشقًا للقهوة، وتجلس على بساط الليل، والنجوم ترصّع صدر السماء الزنجيّة، فاقرأ ديوان “مرفأ الأحلام”، لأنّه قد حوى، كما القهوة الغربيّة (3in1) الحبّ، والثورة والوطنيّة.
* * *
نقلا عن جريدة النهار
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي