حلم الكرامة وشاعرية الهمسات
(قراءة أولى في ديوان “همسات آمنة” للشاعرة آمنة ناصر)
همساتُ آمنةَ، بل همساتٌ آمنةٌ تفيضها الشاعرة
الصديقة آمنة ناصر علينا، نحن القرّاء.
همسات بوح شاعرة غاصت على الدر، في عمق أعماق القلب، رأت نفسها حورية بحر ترفض أن تستسلم لأمواج الواقع. وفي البحر، حيث تقيم، أمواج عاطفة تمتد جذورها إلى موطن المحار، في عمق البحار.
قصائد آمنة، بل همساتها ثورة على الجمود والموت. إنها تأبى أن تكون حقيبة سفر، في شاحنة أو قطار. قدرها البحر. مجذافها الحبر، وروعة التذكار.
حقيبة سفرها الوحيدة قلب نابض بالمحبة التي لا تعرف عمقها إلا ساعة الفراق.
أقنوم شعرها رسالة َإلى كل عاشق وعاشقة. رسالة تشهد أن لا حبيب إلا هو، مهما تعدّدت الأسماء والصفات.
وهو المنتظر ليس سوى غودو، القرن الحادي والعشرين!: يأتي ولا يأتي. والشاعرة تنتظر عودته من خلف سجف الانتظار.
همساتُ آمنة، بل صرخاتها، ثورة حقيقيّة على تهميش الإنسان، في واقع الشرق الرازح تحت القيود.ثورتها جعلتها حلما، في مواجهة “أنتم” الذين تأمرهم بأن يأخذوا منها كل شيء، حتى اسمها، وحريتها، وهويتها. ولكنهم عاجزون عن سرقة حلمها في أن تكون حلمًا يضاهي واقع النفي والقيود.
في القصيدة التي رصّعت بها الشاعرة ناصر الغلاف الأخير للديوان ثنائية ضمائر في حال من التحدي والمواجهة: أنتم ونحن. إن كان ضمير المتكلم للجماعة يعود إلى الشاعرة وجماعتها، فإن ضمير أنتم غير واضحة مرجعيته، أيعود إلى الرجال، أم إلى المجتمع والسلطة الحاكمة والقارئ الناقد الذي يحاول تعليب الشاعرة وفكرها، في زنزانة الأوزان والقوانين اللامتوازنة?
وبين أنتم الأنا العليا، ونحن الأنا المتمردة، تظهر أنا خجولة تنفرد عن الجماعة في نرجسيتها والشعور بالغربة. أنا في موقع الإضافة والمفعولية. وكأنّ الذات الشاعرة تكشف معاناتها التي هي معاناة كل أنثى في مستنقع الشرق الجديد.
أفعال الأمر الأربعة”خذوا..خذوا.. استعملوا.. وأسموني” رمز للجهات الأربع، حيث يسود الأخذ، وحيث المرأة سلعة تبحث عن اسم لها، في ثنائية الوجود واللاوجود. ويسأل القارئ: كيف تطلب الشاعرة أن يسموها? أليس لها اسم، أم تريد تغيير هويتها، كما تغيّر واقعها لتغدو حلماً يساوي توقها إلى الحرية.
والضمائر الخمسة المتصلة العائدة إلى أنا الشاعرة تساوي حواسها الخمس التي انكسرت
بفعل التبعية التي أصابتها، في صراعها الوجوديّ، أمام السؤال الشكسبيريّ: نكون أو لا نكون.
نعود إلى عنوان الديوان لنقول: لو سلّمنا بالإضافة، لا بالموصوفيّة في العنوان فإن الهمسات المبتدأ تحتاج إلى خبر هو الديوان نفسه. أما اسم الشاعرة المضاف إليه فهو لزوم ما لا يلزم بين الجر والمنع من الصرف، كأنّ الهمسات لا تكتفي بذاتها لتكون بداية الحلم/ الثورة/ التغيير، بل حلم التغيير المنشود.
همسات آمنة في صورة الغلاف امرأة، ذات جسد أثيريّ مائيّ، تلامس ورود الحلم والانتظار بيد، وتشيح بوجهها نحو البعيد، إلى قصر أحلامها، في عالم مرصود، غير واضح الملامح والخفقات.
آمنة محمد ناصر، همسات شعرك ليست آمنة، إنها صورة طبق الأصل عن قلق الأنثى وانتظارها حلم الكرامة، بل حلم الشعر / الخيمياء الذي يحوّل انتظارها إلى حلم ذهبيّ مكلّل بالورود، أجمل من الواقع، في شاعريّة الحبر والحب والنقاء.
د. جوزاف ياغي الجميل
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي