الألم /جمال عبيد

الألم

أيتها الشجرة الذابلة، إن السماء تُمطِر فإفرحي بالمطر، وإن حُجِبت الشمس عنك ستشرق أيضاً .
حتى الغيوم المتلبدة في السماء تضيق بسوادها فتحرك جمودها لترسم على طبقاتها شقوقاً ينبعث منها أجمل الابتسامات و النجوم تزداد جمالاً وتتلألؤا على وجه السماء في عتمة الليل فيبرق الألم ليُرق الشعور وليتحول لودٍّ وحبور وليخرج الماء من الصخور ….
إن الآلام التي تطرق أفئدتنا تنمي رحابة الصدر وسلاسة التفكير لمجابهة الحياة بثبات وعزيمة لا تلين .
هذا دانتي شاعر ايطاليا انصبت عليه المصائب، وما أكثرها من تعذيب ، ونفي – وحكم عليه بالإعدام وحرم من رؤية وطنهِ، ومع ذلك ازداد حبه لأرضهِ، وزاد شعره حنيناً وشوقاً صَهرا في دانتي روحه وجسده في بوتقة المجد العتيد.
أليس تحت المصائب تكبر القلوب؟
فالخنساء من شدة الألم بكت أخويها طويلاً فتفتقت مشاعرها شعراً على صفحات التاريخ كما عبرت عن روابط الأخوة الصادقة .
يقال : المصائب محك الرجال، فالعاصفة القوية لا ترمي إلا الأوراق الصفراء.
لقد قالت ( هيلين كيلر ) علمتني الحياه أن لا شيء كالألم يعمق مفاهيمنا وإحساسنا ويسكب فينا صفاءً رائعا، يجعلنا نعمل بواقعية وحيوية أكثر؛ إنه قوة دافعة خلاقة تصقل تفكيرنا وتركزه وننميه .
ولا يخفى علينا أن للمصائب فلسفة خاصة من قديم الزمان.
لقد خلق الإنسان وخلقت معه مصائبه وكأنها عنصر هام من عناصر وجوده، وكأنها خاضعة لقانون النشوء والإرتقاء.
إن السعادة والشقاء وجها قطعة النقود ولا يمكن أن نتصور وجود أحد الوجهين دون الآخر…
فنحن لا ندرك قيمة الخير إلا بالشرّ ولا الفوائد إلا بالمصائب – ثم إذا أردنا أن نعرف نفوس الناس حقاً فنعرفها في أوقات المصائب لا في أوقات النعيم .
وكذلك الأمم لا تدرك قيمة الخير إلا بالشر…