مونولوج نَقّاش فاشل
أمام مسرح ضبابي مهترئ … مرَّ طيف نجيب محفوظ أمامي وهو يقول:
يتساءلون عن سر إزدهار المسرح أتدري ما هو سر ذلك؟ السر أننا صرنا جميعا ممثلين!
رحت أحدق ليس في فراغ وإنما في كثافة ماهية تتلاطم في خيالي لا أدري كنهها .. هل نحن حقا ممثلون ؟
رحت أحدق في مسرح سقف غرفتي كمخرج
أوزع الأدوار :
أنت المجرم فهناك تطابق تام بينك وبين شخصية المجرم … وأنت السارق ولص … وهذا عاشق .. وذاك راقص … ثم شيطان أخرس … غريب أن تجد جميع الأدوار السلبية بلا أدنى تفكير .. وكأن الإسم تحصيل حاصل .. بقي أن أضفي قليلا من الايجابية على مسرحي .. حتى لا أُتّهَم بالسلبية المفرطة .. حاولت بجهد أن أبحث عن شخصية تمثل الشرفاء تمثل الكريم .. وجدت في التاريخ أسماء لا نهاية لها .. الى أي حد شكي سيقبل بها… لذا أصر يقيني على حاضري …. وأخيرا … وجدت ولكن أدوارهم لم تتجاوز بضعة ثوان … لأن الجمهور لم يصفق لهم وخوفا من أن يرميهم بالبيض والطماطم أو الأحذية كرئيس غربي فاسد … جعلتهم ضيوف شرف .. لإن جمهور الترف … المادي دون المعنوي… يحدد مدى نجاح وفشل مسرحيتك …
هل انتهيت ؟؟ لا
ولم تكن هنا المعضلة أبدا..
بل كانت في دوري .. مالدور الذي سأضفيه على وجهي عَلِّيّ أكون عنصرا فاعلا ؟ … رحت أقفز من المسرح للجمهور .. ومن الجمهور للمسرح … دربت نفسي على جميع الأدوار … وأتقنتها غير أني لم أقبل بأي منها… ولم أشعر أبدا بأدنى وجود داخل أثوابها … هربت للإنتاج .. لكن لا نص لدي … والمؤلف لم يمت بل قتل نفسه بعد أن قتل أباه … ففشل معي رولان بارت …
من أين أبدأ .. ذهبت نحو الأضواء وجسلت خلفها أتحكم في إسقاطها فظهر تحتها عملاق مارون النَّقاش الذي أقام أول مسرح في الشرق وقدم من خلاله مسرحية موليير الشهيرة (البخيل) عام 1848 في مسرح أقامه في منزله .. وأمام ضغط رجال الدين حوله الى كنيسة قبل موته وهو في الثامنة والثلاثين … لذا حين حاولت أن استلهمه … فشلت
أدرت الأضواء نحو خليل القباني وسعد الله ونوس وفشلت … تعمقت نحو اليونان والرومان .. فزاد الطين بلة … و زادت الظلمة أصوات الذئاب …
وحيدة أفكر … أي دور أضفيه على نفسي …أو أي قناع عملاق سأرتاح له يخفي خلفه تقزمي وفشلي … رحت اتساءل هل سأخلص الى مسرح تراجيدي، كوميدي، مسرح العرائس .. أم المسرح التجريبي ..
ثم أخذني بروتوكول العرض هل أجعل المسرح مفتوح، مرن، دائري أو أمامي …
لما كل هذا القلق ينتابني طالما الأمر في النهاية تمثيل في تمثيل .. فيما أتخبط في أفكاري
ظهر شبح
يقهقه كالرعد … بجسد استحوذ على الضوء والظلام … وبين قبر ومشرحة راح يوزع الأدوار على جثثنا الحية…
كل صوت في داخلي كان يقول لي أن انزلي عن خشبة المسرح .. غادري القاعة، وقبل أن أرمي الأشرطة وأجهزة الصوت الملتفة حول جسدي أوقبل أن أكف عن التصفيق … صرخ عميد المسرح العربي يوسف بيك وهبي من زاوية كنت أظنها خاوية …:
مالدنيا إلا مسرح كبير
يقين حمد جنود
صورة الممثل المسرحي محمد وجيه سقّا
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي